بِهَا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ؛ فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا فِي أَخْذِهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّيْنِ فَرْقًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ فَرَضَهَا لَهَا، فَلَوْ لَمْ تَأْخُذْ حَقَّهَا أَفْضَى إلَى سُقُوطِهَا، وَالْإِضْرَارِ بِهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَحَدٍ بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ، فَلَا يُؤَدِّي تَرْكُ الْأَخْذِ إلَى الْإِسْقَاطِ.
[فَصْلٌ وَقْتُ دَفْعِ النَّفَقَة لِلزَّوْجَةِ]
(٦٤٦٧) فَصْلٌ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ نَفَقَتِهَا إلَيْهَا فِي صَدْرِ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا طَلَعْت الشَّمْسُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِهِ جَازَ، كَالدَّيْنِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْجِيلِ نَفَقَةِ عَامٍ أَوْ شَهْرٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ تَأْخِيرِهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، فَجَازَ مِنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْخِيرِهِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، كَالدَّيْنِ.
وَلَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا خِلَافٌ عَلِمْنَاهُ. فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهَا نَفَقَةَ يَوْمٍ، ثُمَّ مَاتَتْ فِيهِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إلَيْهَا، وَإِنْ أَبَانَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الدَّفْعِ إلَيْهَا، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا فِيهِ، وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِالطَّلَاقِ، كَالدَّيْنِ. وَإِنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ أَوْ عَامٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، أَوْ بَانَتْ بِفَسْخِ أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ رِدَّتِهِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ نَفَقَةَ سَائِرِ الشَّهْرِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَسْتَرْجِعُهَا؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ، فَإِذَا قَبَضَتْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ سَلَفًا عَمَّا يَجِبُ فِي الثَّانِي، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، ثَبَتَ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ أَسْلَفَهَا إيَّاهَا فَنَشَزَتْ، أَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ إلَى السَّاعِي فَتَلَفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا صِلَةٌ. قُلْنَا: بَلْ هِيَ عِوَضٌ عَنْ التَّمْكِينِ، وَقَدْ فَاتَ التَّمْكِينُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ زَوْجَ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، إذَا دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ بَانَتْ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَمَهَا أَنَّهَا نَفَقَةٌ عَجَّلَهَا لَهَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهَا، وَإِنْ أَعْلَمَهَا ذَلِكَ، انْبَنَى عَلَى مُعَجِّلِ الزَّكَاةِ إذَا أَعْلَمَ الْفَقِيرَ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ، وَفِي الرُّجُوعِ بِهَا وَجْهَانِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ مِثْلُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِدَفْعِ مَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِ الْآخِذِ بِتَعْجِيلِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ، كَمُعَجِّلِ الزَّكَاةِ.
وَلَوْ سَلَّمَ إلَيْهَا نَفَقَةَ الْيَوْمِ، فَسُرِقَتْ أَوْ تَلِفَتْ، لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ الْوَاجِبِ بِدَفْعِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَلْفِت الزَّكَاةُ بَعْدَ قَبْضِ السَّاعِي لَهَا، أَوْ الدَّيْنُ بَعْدَ أَخْذِ صَاحِبِهِ لَهُ. (٦٤٦٨) فَصْلٌ: وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَتَهَا، فَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا أَحَبَّتْ، مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ، مَا لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute