فَيَحْفَظُهُ لِصَاحِبِهِ، أَوْ يَبِيعُهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا
وَلَيْسَ لِمُلْتَقِطِهِ بَيْعُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ. فَإِنْ بَاعَهُ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَإِنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فِي بَيْعِهِ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ، قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِهَذَا نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ السَّيِّدُ ثُمَّ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ. فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَخْذُ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ حُرٌّ
وَلَا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَهُ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَهُوَ كَتَرِكَةِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ. فَإِنْ عَادَ السَّيِّدُ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ، وَطَلَبَ الْمَالَ، دُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ.
[فَصْلٌ أَبَقَ الْعَبْدُ فَحَصَلَ فِي يَدِ حَاكِمٍ فَأَقَامَ سَيِّدُهُ بَيِّنَةً عِنْدَ حَاكِمِ بَلَدٍ آخَرَ]
(٤٥٣٤) فَصْلٌ: وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ، فَحَصَلَ فِي يَدِ حَاكِمٍ، فَأَقَامَ سَيِّدُهُ بَيِّنَةً عِنْدَ حَاكِمِ بَلَدٍ آخَرَ أَنَّ فُلَانًا الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَاسْتَقْصَى صِفَاتِهِ، عَبْدَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَبَقَ مِنْهُ، فَقَبِلَ الْحَاكِمُ بَيِّنَتَهُ، وَكَتَبَ الْحَاكِمُ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي عِنْدَهُ الْعَبْدُ: ثَبَتَ عِنْدِي إبَاقُ فُلَانٍ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا. قَبِلَ كِتَابَهُ، وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْعَبْدَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: يَأْخُذُ بِهِ كَفِيلًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَثْبَتَتْهُ بِصِفَاتِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِوَصْفِهِ فِي السَّلَمِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ بِالصِّفَاتِ، وَقَدْ تَتَّفِقُ الصِّفَاتُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، وَيُفَارِقُ الْمُسْلَمَ فِيهِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ مَا يُوجَدُ مِنْهُ الصِّفَةُ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيِّنٍ. وَلَنَا أَنَّهُ يُقْبَلُ كِتَابُ الْحَاكِمِ إلَى الْحَاكِمِ عَلَى شَخْصٍ غَائِبٍ، وَيُؤْخَذُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ، وَلَيْسَ ثَمَّ شَهَادَةٌ عَلَى عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَصِفَتِهِ، فَكَذَا هَاهُنَا، إذَا ثَبَتَ وُجُوبُ تَسْلِيمِهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي يُسَلِّمُهُ يَخْتِمُ فِي عُنُقِهِ خَيْطًا ضَيِّقًا لَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلِهِ، لِيَحْمِلَهُ إلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ، لِيُشْهِدَ الشُّهُودَ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهِ، سُلِّمَ إلَى مُدَّعِيه، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ فِي ضَمَانِ الَّذِي أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ.
[مَسْأَلَة كَانَ الْتَقَطَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَرَدَّهَا لِعِلَّةِ الْجُعْلِ]
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْتَقَطَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَرَدَّهَا لِعِلَّةِ الْجُعْلِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) . إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا الْتَقَطَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ، فَقَدْ الْتَقَطَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَعَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ جُعْلٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، كَمَا لَوْ الْتَقَطَهَا وَلَمْ يَجْعَلْ رَبُّهَا فِيهَا شَيْئًا. وَفَارَقَ الْمُلْتَقِطَ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْجُعْلَ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ جُعِلَ لَهُ، فَاسْتَحَقَّهُ، كَالْأَجِيرِ إذَا عَمِلَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْتِقَاطُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute