[فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا]
(٣٨٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا. فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: (٣٨٦٨) أَحَدُهَا، أَنْ يَقُولَ: كَذَا. بِغَيْرِ تَكْرِيرٍ وَلَا عَطْفٍ. الثَّانِيَةُ، أَنْ يُكَرِّرَ بِغَيْرِ عَطْفٍ. الثَّالِثَةُ، أَنْ يَعْطِفَ، فَيَقُولَ: كَذَا وَكَذَا. فَأَمَّا الْأُولَى، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ. لَمْ يَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ. بِالرَّفْعِ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَتَقْدِيرُهُ شَيْءٌ هُوَ دِرْهَمٌ، فَجَعَلَ الدِّرْهَمَ بَدَلًا مِنْ كَذَا.
الثَّانِي، أَنْ يَقُولَ: دِرْهَمٍ. بِالْجَرِّ، فَيَلْزَمُهُ جُزْءُ دِرْهَمٍ، يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ جُزْءُ دِرْهَمٍ، أَوْ بَعْضُ دِرْهَمٍ. وَيَكُونُ كَذَا كِنَايَةً عَنْهُ. الثَّالِثُ، أَنْ يَقُولَ: دِرْهَمًا. بِالنَّصْبِ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، وَيَكُونُ مَنْصُوبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، وَهُوَ التَّمْيِيزُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ، كَأَنَّهُ قَطَعَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِدِرْهَمٍ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ.
الرَّابِعُ، أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْوَقْفِ، فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِجُزْءِ دِرْهَمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَسْقَطَ حَرَكَةَ الْجَرِّ لِلْوَقْفِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّ " كَذَا " اسْمٌ مُبْهَمٌ فَصَحَّ تَفْسِيرُهُ بِجُزْءِ دِرْهَمٍ فِي حَالِ الْجَرِّ وَالْوَقْفِ.
(٣٨٦٩) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، إذَا قَالَ: كَذَا كَذَا. بِغَيْرِ عَطْفٍ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي " كَذَا " بِغَيْرِ تَكْرَارٍ سَوَاءٌ، لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ. وَلَا يَقْتَضِي تَكْرِيرُهُ الزِّيَادَةَ، كَأَنَّهُ قَالَ: شَيْءٌ شَيْءٌ. وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَهُ بِالْجَرِّ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَضَافَ جُزْءًا إلَى جُزْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْجُزْءَ الْآخَرَ إلَى الدِّرْهَمِ، فَقَالَ: نِصْفَ تُسْعِ دِرْهَمٍ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: كَذَا كَذَا كَذَا. لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ ثُلُثَ خُمْسِ سُبْعِ دِرْهَمٍ، وَنَحْوَهُ.
(٣٨٧٠) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، إذَا عَطَفَ، فَقَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٌ. بِالرَّفْعِ، لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ، ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْهُمَا دِرْهَمًا، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: هُمَا دِرْهَمٌ. وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمًا. بِالنَّصْبِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا، يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ " كَذَا " يَحْتَمِلُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُمَا بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، جَازَ، وَكَانَ كَلَامًا صَحِيحًا. وَهَذَا يُحْكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ، فَإِذَا فَسَّرَ ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ عَادَ التَّفْسِيرُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَقَوْلِهِ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا. يَعُودُ التَّفْسِيرُ إلَى الْعِشْرِينَ، وَكَذَا هَاهُنَا. وَهَذَا يُحْكَى قَوْلًا ثَانِيًا لِلشَّافِعِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute