أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ فَرْضٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ مَالِكًا وَصَاحِبَهُ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَى فِعْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ، فَكَانَ فَرْضًا كَالْجِهَادِ فَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ إذَا قَامَ بِهِ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكْتَفِي بِهِ. وَإِنْ صَلَّى مُصَلٍّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، أَنَّهُمَا قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَصَلَّى بِنَا، بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ إلَّا عَطَاءً، قَالَ: وَمَنْ نَسِيَ الْإِقَامَةَ يُعِيدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالَ مَرَّةً: يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَهَذَا شُذُوذٌ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ، فَلَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، كَالْآخَرِ.
[فَصْلٌ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ]
(٥٧٧) فَصْلٌ: وَمَنْ أَوْجَبَ الْأَذَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ. كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ غَيْرِ الْمِصْرِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا لِلصَّلَاةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ، لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ إلَى الصَّلَاةِ، وَيُدْرِكُوا الْجَمَاعَةَ، وَيَكْفِي فِي الْمِصْرِ أَذَانٌ وَاحِدٌ، إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَكْفِي أَذَانٌ وَاحِدٌ فِي الْمَحَلَّةِ، وَيَجْتَزِئُ بَقِيَّتُهُمْ بِالْإِقَامَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي الَّذِي يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ: يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمِصْرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَسْوَدِ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ: تَكْفِيهِ الْإِقَامَةُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ: إنْ شَاءَ أَقَامَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ: «إذَا أَرَدْتَ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ» وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْأَذَانِ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ: " فَأَقِمْ، ثُمَّ كَبِّرْ " وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالْأَفْضَلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصَلِّي قَضَاءً أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ، لَمْ يَجْهَرْ بِهِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ، فِي بَادِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، اُسْتُحِبَّ لَهُ الْجَهْرُ بِالْأَذَانِ؛ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: «إذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وَعَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغِيرُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ إذَا سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute