لِلشَّفِيعِ: أَقِلْنِي. فَأَقَالَهُ، لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْبَائِعِ بَيْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُشْتَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي.
فَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ، صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
[مَسْأَلَة لِلصَّغِيرِ إذَا كَبِرَ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ]
(٤٠٤١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلِلصَّغِيرِ إذَا كَبِرَ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إذَا بِيعَ فِي شَرِكَةِ الصَّغِيرِ شِقْصٌ، ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسَوَّارٌ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا شُفْعَةَ لَهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ، وَلَا يُمْكِنُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَبْلُغَ. لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ.
وَلَنَا، عُمُومُ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ جُعِلَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ بِهَا، كَمَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ. قَوْلُهُمْ: لَا يُمْكِنُهُ الْعَفْوُ. يَبْطُلُ بِالْوَكِيلِ فِيهِ، وَبِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ لَا يُمْكِنُهُ الْعَفْوُ، وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ. وَلِأَنَّ فِي الْأَخْذِ تَحْصِيلًا لِلْمِلْكِ لِلصَّبِيِّ، وَنَظَرًا لَهُ، وَفِي الْعَفْوِ تَضْيِيعٌ وَتَفْرِيطٌ فِي حَقِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِ مَا فِيهِ الْحَظُّ مِلْكُ مَا فِيهِ تَضْيِيعٌ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ، وَالْأَخْذَ اسْتِيفَاءٌ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِ الْوَلِيِّ اسْتِيفَاءَ حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، مِلْكُ إسْقَاطِهِ، بِدَلِيلِ سَائِرِ حُقُوقِهِ وَدُيُونِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلِيُّ، اُنْتُظِرَ بُلُوغُ الصَّبِيِّ، كَمَا يُنْتَظَرُ قُدُومُ الْغَائِبِ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الِانْتِظَارِ، يَبْطُلُ بِالْغَائِبِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ لِلصَّغِيرِ إذَا كَبِرَ الْأَخْذَ بِهَا، سَوَاءٌ عَفَا عَنْهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَمْ يَعْفُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَظُّ فِي الْأَخْذِ بِهَا، أَوْ فِي تَرْكِهَا.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَهُ الشُّفْعَةُ إذَا بَلَغَ فَاخْتَارَ. وَلَمْ يُفَرِّقْ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَزُفَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلشُّفْعَةِ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ الْحَظُّ فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَرْكِ غَيْرِهِ، كَالْغَائِبِ إذَا تَرَكَ وَكِيلُهُ الْأَخْذَ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: إنْ تَرَكَهَا الْوَلِيُّ لِحَظِّ الصَّبِيِّ، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّبِيِّ مَا يَأْخُذُهَا بِهِ، سَقَطَتْ وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ، فَلَمْ يَجُزْ لِلصَّبِيِّ نَقْضُهُ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِلصَّبِيِّ، فَصَحَّ، كَالْأَخْذِ مَعَ الْحَظِّ. وَإِنْ تَرَكَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ تَسْقُطْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَسْقُطُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْهَا فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْأَخْذَ بِهَا مَلَكَ الْعَفْوَ عَنْهَا، كَالْمَالِكِ. وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقًّا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، لَا حَظَّ لَهُ فِي إسْقَاطِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْإِبْرَاءِ، وَإِسْقَاطِ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.