اقْتَرِضْ لِي مِنْ فُلَانٍ مِائَةً، وَلَك عَشَرَةٌ. فَلَا بَأْسَ، وَلَوْ قَالَ: اُكْفُلْ عَنِّي وَلَك أَلْفٌ. لَمْ يَجُزْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: اقْتَرِضْ لِي وَلَك عَشْرَةٌ. جَعَالَةٌ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ، فَجَازَتْ، كَمَا لَوْ قَالَ: ابْنِ لِي هَذَا الْحَائِطَ وَلَك عَشْرَةٌ.
وَأَمَّا الْكَفَالَةُ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ، فَإِذَا أَدَّاهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، فَصَارَ كَالْقَرْضِ، فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا صَارَ الْقَرْضُ جَارًّا لِلْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَجُزْ.
[فَصْلٌ كَانَ الْقَرْض فُلُوسًا أَوْ مُكَسَّرَة فَحَرَّمَهَا السُّلْطَان وَتَرَكَتْ الْمُعَامَلَة بِهَا]
(٣٢٦٩) فَصْلٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَرُدُّ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، سَوَاءٌ رَخُصَ سِعْرُهُ أَوْ غَلَا، أَوْ كَانَ بِحَالِهِ. وَلَوْ كَانَ مَا أَقْرَضَهُ مَوْجُودًا بِعَيْنِهِ، فَرَدَّهُ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ يَحْدُثُ فِيهِ، لَزِمَ قَبُولُهُ، سَوَاءٌ تَغَيَّرَ سِعْرُهُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ.
وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فُلُوسًا أَوْ مُكَسَّرَةً، فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ، وَتَرَكَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا، كَانَ لِلْمُقْرِضِ قِيمَتُهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي مِلْكِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ، وَقَالَ: يُقَوِّمُهَا كَمْ تُسَاوِي يَوْمَ أَخَذَهَا؟ ثُمَّ يُعْطِيه، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا إذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِهَا، فَأَمَّا إنْ تَعَامَلُوا بِهَا مَعَ تَحْرِيمِ السُّلْطَانِ لَهَا، لَزِمَ أَخْذُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ إلَّا مِثْلُ مَا أَقْرَضَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ حَدَثَ فِيهَا، فَجَرَى مَجْرَى نَقْصِ سِعْرِهَا.
وَلَنَا أَنَّ تَحْرِيمَ السُّلْطَانِ لَهَا مَنْعُ إنْفَاقِهَا، وَإِبْطَالُ مَالِيَّتِهَا، فَأَشْبَهَ كَسْرَهَا، أَوْ تَلَفَ أَجْزَائِهَا، وَأَمَّا رُخْصُ السِّعْرِ فَلَا يَمْنَعُ رَدَّهَا، سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا، مِثْلَ إنْ كَانَتْ عَشَرَةً بِدَانِقٍ، فَصَارَتْ عِشْرِينَ بِدَانِقٍ، أَوْ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا شَيْءٌ، إنَّمَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ، فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ إذَا رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ.
[فَصْلٌ أُقْرِضَهُ مَا لَحَمَلَهُ مُؤْنَة ثُمَّ طَالِبه بِمِثْلِهِ بِبَلَدِ آخَر]
(٣٢٧٠) فَصْلٌ وَإِذَا أَقْرَضَهُ مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، ثُمَّ طَالَبَهُ بِمِثْلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ، لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ لَهُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ. فَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهَا. فَإِنْ تَبَرَّعَ الْمُسْتَقْرِضُ بِدَفْعِ الْمِثْلِ، وَأَبَى الْمُقْرِضُ قَبُولَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي قَبْضِهِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى حَمْلِهِ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَقْرَضَهُ فِيهِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَقْرَضَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ أَثْمَانًا، أَوْ مَا لَا مُؤْنَةَ فِي حَمْلِهِ، وَطَالَبَهُ بِهَا، وَهُمَا بِبَلَدٍ آخَرَ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ وَاحِدٌ.
[فَصْلٌ أُقْرِضَ ذِمِّيّ ذِمِّيًّا خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدهمَا]
(٣٢٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقْرَضَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا. بَطَلَ الْقَرْضُ. وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ شَيْءٌ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ أَوْ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ خَمْرٌ، لِعَدَمِ مَالِيَّتِهَا، وَلَا يَجِبُ بَدَلُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَضْمَنُهَا إذَا أَتْلَفَهَا. وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْآخَرَ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ، لِذَلِكَ.