الْمُوصِي فِي إثْبَاتِ حُقُوقِهِ، فَإِذَا حَلَفُوا، ثَبَتَ لَهَا الْبَدَلُ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ، كَمَا إذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَهُ.
[فَصْلٌ الْمَحْجُور عَلَيْهِ لَسَفَهٍ أَوْ فَلْس فِي دَعْوَى الْقَتْلِ]
(٧٠٣٧) فَصْلٌ: وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، كَغَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فِي دَعْوَى الْقَتْلِ، وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ، أَوْ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ، عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
[فَصْلٌ جُرِحَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ]
(٧٠٣٨) فَصْلٌ: وَلَوْ جُرِحَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ، وَمَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ، فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْجُرْحَ، وَلَا قَسَامَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلِأَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ فَيْئًا، وَالْفَيْءُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ فَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ مُسْلِمًا، فَارْتَدَّ وَارِثُهُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ، وَإِنْ أَقْسَمَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ مَالِهِ وَحُقُوقِهِ، فَلَا يَبْقَى مُسْتَحِقًّا لِلْقَسَامَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ.
وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ قَدْ أَقْدَمَ عَلَى الشِّرْكِ الَّذِي لَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ دَمَ مُسْلِمٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا قَتْلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْأَوْلَى أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ، فَإِنْ أَقْسَمَ، وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ بِالْقَسَامَةِ حَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرِدَّتِهِ، كَاكْتِسَابِ الْمَالِ بِوُجُوهِ الِاكْتِسَابِ، وَكُفْرُهُ لَا يَمْنَعُ يَمِينَهُ، فَإِنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ يَمِينُهُ، وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي الدَّعَاوَى فَإِنْ حَلَفَ، ثَبَتَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، كَانَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ فَيْئًا. وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ، وَإِمَّا مَوْقُوفٌ، وَحُقُوقُ الْمَالِ حُكْمُهَا حُكْمُهُ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ، فَلَا حَقَّ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مَوْقُوفٌ. فَهُوَ قَبْلَ انْكِشَافِ حَالِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، فَكَيْفَ وَقَتْلُ الْمُسْلِمِ أَمْرٌ كَبِيرٌ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَلَا يُسْتَوْفَى مَعَ الشَّكِّ.
فَأَمَّا إنْ ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، لَمْ يَكُنْ وَارِثًا، وَلَا حَقَّ لَهُ، وَتَكُونُ الْقَسَامَةُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُرَّاثِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ سِوَاهُ، فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قَسَامَةِ غَيْرِهِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى رَجَعَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ، قُسِمَ لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَعُودُ الْقَسَامَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ عَلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ ارْتَدَّ رَجُلٌ فَقُتِلَ عَبْدُهُ، أَوْ قُتِلَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، عَادَتْ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بَدَلَ الْعَبْدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute