وَالْحُرُّ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْمَمْلُوكُ أَمَامَ ذَلِكَ. فَإِنْ اجْتَمَعَ حُرٌّ صَغِيرٌ وَعَبْدٌ كَبِيرٌ، قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فِي غُلَامٍ حُرٍّ وَشَيْخٍ عَبْدٍ: يُقَدَّمُ الْحُرُّ إلَى الْإِمَامِ. هَذَا اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَغَلِطَ مَنْ رَوَى خِلَافَ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ: الْحُرُّ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْمَمْلُوكُ وَرَاءَ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يُقَدَّمُ أَكْبَرُهُمَا إلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ. وَقَوْلُ عَلِيٍّ أَرَادَ بِهِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَالْكَبِيرُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالصَّغِيرُ أَمَامَ ذَلِكَ.
(١٦٧٦) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانُوا نَوْعًا وَاحِدًا، قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ يَدْفِنُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، وَيُقَدِّمُ أَكْثَرَهُمْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ.» وَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ يُقَدَّمُ فِي صَفِّ الْمَكْتُوبَةِ، فَيُقَدَّمُ هَاهُنَا، كَالرِّجَالِ مَعَ الْمَرْأَةِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى.» وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْفَضْلِ، قُدِّمَ الْأَكْبَرُ فَالْأَكْبَرُ. فَإِنْ تَسَاوَوْا قُدِّمَ السَّابِقُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ السَّابِقُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا، وَلَا تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ وَإِنْ كَانَتْ سَابِقَةً؛ لِمَوْضِعِ الذُّكُورِيَّةِ، فَإِنْ تَسَاوَوْا قَدَّمَ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ فِي ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ.
[فَصْلٌ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِز دَفْعَةً وَاحِدَةً]
فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِز، دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ أَفْرَدَ كُلَّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ جَازَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ مَعَ غَيْرِهِ» . وَقَالَ حَنْبَلٌ: صَلَّيْت مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى جِنَازَةِ امْرَأَةٍ مَنْفُوسَةٍ، فَصَلَّى أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى الْأُمِّ، وَاسْتَأْمَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ: صَلِّ عَلَى ابْنَتِهَا الْمَوْلُودَةِ أَيْضًا؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَوْ أَنَّهُمَا وُضِعَا جَمِيعًا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا وَاحِدَةً، تَصِيرُ إذَا كَانَتْ أُنْثَى عَنْ يَمِينِ الْمَرْأَةِ، وَإِذَا كَانَ ذَكَرًا عَنْ يَسَارِهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إفْرَادُ كُلِّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ أَفْضَلُ، مَا لَمْ يُرِيدُوا الْمُبَادَرَةَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي الْإِفْرَادِ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَالِ السَّلَفِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ دَفْنُ الْجَمَاعَةُ فِي الْقَبْرِ]
(١٦٧٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ دُفِنُوا فِي قَبْرٍ يَكُونُ الرَّجُلُ مَا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ، وَالصَّبِيُّ خَلْفَهُمَا، وَيَجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزًا مِنْ تُرَابٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ الْجَمَاعَةُ فِي الْقَبْرِ، قُدِّمَ الْأَفْضَلُ مِنْهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ، عَلَى حَسَبِ تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءً، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذِهِ؛ لِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute