قُلْنَا: إذَا كَانَ عَنْ جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ، فَالْحُكْمُ لَهُ دُونَهَا، وَإِنْ كَانَ عَنْ بَعْضِهَا، نَابَ عَنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَنُوبُ عَنْهُ مِنْ التَّرْتِيبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ هَذَا التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ، فَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّهَارَةِ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَرِيحُ جُنُبًا؛ وَلِأَنَّهُ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، فَلَمْ يَجِبْ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِ غَسْلِهِ، كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّ فِي هَذَا حَرَجًا وَضَرَرًا، فَيَنْدَفِعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ، عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ هَذَا. وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْهُ مِثْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
[فَصْل تَيَمَّمَ الْجَرِيحُ لِجُرْحِ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ]
(٣٧٣) وَإِنْ تَيَمَّمَ الْجَرِيحُ لِجُرْحٍ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَلَمْ تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ بِالْمَاءِ إنْ كَانَتْ غُسْلًا لِجَنَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَالْمُوَالَاةَ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ وُضُوءًا، وَكَانَ الْجُرْحُ فِي وَجْهِهِ، خُرِّجَ بُطْلَانُ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا؛ فَمَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ أَبْطَلَ الْوُضُوءَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْعُضْوِ الَّذِي نَابَ التَّيَمُّمُ عَنْهُ بَطَلَتْ، فَلَوْ لَمْ يَبْطُلْ فِيمَا بَعْدَهُ لَتَقَدَّمَتْ طَهَارَةُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، فَيَفُوتُ التَّرْتِيبُ. [وَمَنْ] لَمْ يُوجِبْ التَّرْتِيبَ لَمْ يُبْطِلْ الْوُضُوءَ، وَجَوَّزَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَا غَيْرُ. وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ، أَوْ فِيهِمَا، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، لَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا، وَعَلَيْهِ التَّيَمُّمِ وَحْدَهُ. وَمَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ، فَقِيَاسُ قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُوَالَاةِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، تَجِبُ، فَتَجِبُ هَاهُنَا، وَيَبْطُلُ الْوُضُوءُ لِفَوَاتِهَا.
وَالثَّانِيَةُ لَا تَجِبُ، فَيَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَحْدَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ، فَلَمْ تَجِبْ الْمُوَلَّاةُ بَيْنَهُمَا، كَسَائِرِ الطِّهَارَاتِ؛ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِهَا حَرَجًا، فَيَنْتَفِي بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] .
[فَصْل خَافَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسَخِّنَ الْمَاءَ]
(٣٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ خَافَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسَخِّنَ الْمَاءَ، أَوْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ الضَّرَرَ، مِثْلُ أَنْ يَغْسِلَ عُضْوًا عُضْوًا، وَكُلَّمَا غَسَلَ شَيْئًا سَتَرَهُ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ: يَغْتَسِلُ، وَإِنْ مَاتَ، لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ عُذْرًا. وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ أَحَدُهُمْ إذَا بَرَدَ عَلَيْهِ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَدَعَهُ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] . وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَأَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِمَا «، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: احْتَلَمْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute