للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا مِمَّا سَبَى الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا. قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ.

هَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ، وَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ابْتِدَائِهِ، كَالْمُسْلِمِ. وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يَظْهَرُ وُجُودُهُ، فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ رَقِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ إسْلَامُهُ، فَيَفُوتُ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ لِكَافِرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَقِيقًا لِكَافِرٍ فِي ابْتِدَائِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ هَذِهِ الْغَرَضِيَّةُ، وَالدَّوَامُ يُخَالِفُ الِابْتِدَاءَ لِقُوَّتِهِ.

[فَصْلٌ أَسَرَ أَسِيرًا فِي الْحَرْبِ]

(٧٤٦٠) فَصْلٌ: وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ أَسِيرًا، فَالْخِيرَةُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدْ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَقْتُلُ أَسِيرَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَالِي. فَمَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُ قَتْلَ أَسِيرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَالِي؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ ابْتِدَاءً، فَكَانَ لَهُ قَتْلُهُ دَوَامًا، كَمَا لَوْ هَرَبَ مِنْهُ أَوْ قَاتَلَهُ. فَإِنْ امْتَنَعَ الْأَسِيرُ أَنْ يَنْقَادَ مَعَهُ، فَلَهُ إكْرَاهُهُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إكْرَاهُهُ، فَلَهُ قَتْلُهُ.

وَإِنْ خَافَهُ أَوْ خَافَ هَرَبَهُ، فَلَهُ قَتْلُهُ أَيْضًا. وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الِانْقِيَادِ مَعَهُ، لِجُرْحٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَهُ قَتْلُهُ أَيْضًا. وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ قَتْلِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، كَمَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ حَيًّا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَقْوِيَةٌ لِلْكُفَّارِ، فَتَعَيَّنَ الْقَتْلُ، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ إذَا أَمْكَنَهُ قَتْلُهُ، وَكَجَرِيحِهِمْ إذَا لَمْ يَأْسِرْهُ.

فَأَمَّا أَسِيرُ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَتَعَاطَيَنَّ أَحَدُكُمْ أَسِيرَ صَاحِبِهِ إذَا أَخَذَهُ فَيَقْتُلُهُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ. فَإِنْ قَتَلَ أَسِيرَهُ، أَوْ أَسِيرَ غَيْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَسَاءَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِمَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَا لَهُ قِيمَةٌ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ امْرَأَةً

وَلَنَا، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، أَسَرَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ، فَرَآهُمَا بِلَالٌ، فَاسْتَصْرَخَ الْأَنْصَارَ عَلَيْهِمَا حَتَّى قَتَلُوهُمَا، وَلَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا. وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَمْ يَغْرَمْهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، فَلَمْ يَغْرَمْهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ كَلْبًا، فَأَمَّا إنْ قَتَلَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا، غَرِمَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ.

[فَصْلٌ أُسِرَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا]

(٧٤٦١) فَصْلٌ: وَمَنْ أُسِرَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا الظَّاهِرُ خِلَافُهُ، يَتَعَلَّقُ بِهِ إسْقَاطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>