(٧٦٨) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالثَّقِيلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ. فَإِنْ خَالَفَ وَأَتَى بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ، كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّطْوِيلُ كَثِيرًا، فَيَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ» . وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَهُ الْإِطَالَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى حَالٍ يَخَافُ السَّهْوَ، فَتُكْرَهَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً أَوْجَزَ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنَا أُبَادِرُ الْوَسْوَاسَ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا عَرَضَ فِي الصَّلَاةِ عَارِضٌ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، يَقْتَضِي خُرُوجَهُ، أَنْ يُخَفِّفَ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
[مَسْأَلَة إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا]
(٧٦٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا، سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا التَّسْلِيمُ وَاجِبٌ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَتَعَيَّنُ السَّلَامُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، بَلْ إذَا خَرَجَ بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، جَازَ، إلَّا أَنَّ السَّلَامَ مَسْنُونٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ وَجَبَ لَأَمَرَهُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى.
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَيُدِيمُ ذَلِكَ وَلَا يُخِلُّ بِهِ، وَقَدْ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَلِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِي الصَّلَاةَ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا مَضَى.
[فَصْلٌ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ]
(٧٧٠) فَصْلٌ: وَيُشْرَعُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute