للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَالَ: وَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ لَأَفْعَلَنَّ. وَنَوَى عَهْدَ اللَّهِ، كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَلِفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إنْ كَانَتْ لِلْعَهْدِ، يَجِبُ أَنْ تَنْصَرِفَ إلَى عَهْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عُهِدَتْ الْيَمِينُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، دَخَلَ فِيهِ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ، لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا وَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَمْ يَصْرِفْهُ إلَى ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ، فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا.

[مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِسْلَامِ]

(٧٩٦٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (أَوْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِسْلَامِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْحَلِفِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِسْلَامِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ، إنْ فَعَلَ. أَوْ يَقُولَ: هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ، أَوْ يَعْبُدُك، أَوْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، إنْ فَعَلَ. أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَعَنْ أَحْمَدَ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ. يُرْوَى هَذَا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِاسْمِ اللَّهِ، وَلَا صِفَتِهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: عَصَيْت اللَّهَ فِيمَا أَمَرَنِي. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى النَّدْبِ، دُونَ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا قَالَ: أَكْفُرُ بِاَللَّهِ، أَوْ أُشْرِكُ بِاَللَّهِ. فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ. فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا، فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: «عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُوجِبُ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ، فَكَانَ الْحَلِفُ يَمِينًا، كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، فَإِنَّ الْوُجُوبَ مِنْ الشَّارِعِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ نَصٌّ، وَلَا هِيَ فِي قِيَاسِ الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْحَلِفِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعْظِيمًا لِاسْمِهِ، وَإِظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ.

[فَصْلٌ قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَالزِّنَى إنْ فَعَلَ ثُمَّ حَنِثَ]

(٧٩٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَالزِّنَى إنْ فَعَلَ. ثُمَّ حَنِثَ، أَوْ قَالَ: هُوَ يَسْتَحِلُّ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الصِّيَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>