[فَصْلٌ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَة]
(٩٣٤) فَصْلٌ: وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ لِأَنَّهَا لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا، فَفِي جَبْرِهَا أَوْلَى وَلَا فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِعَ لَكَانَ الْجَبْرُ زَائِدًا عَلَى الْأَصْلِ وَلَا فِي سُجُودِ سَهْوٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ هُوَ إجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ، وَلَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[مَسْأَلَةٌ الْكَلَامُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا يُبْطَلُ الصَّلَاةَ]
(٩٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَمَّا الْكَلَامُ عَمْدًا، وَهُوَ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَالِمًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا لِأَمْرٍ يُوجِبُ الْكَلَامَ، فَتَبْطُلَ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا وَهُوَ يُرِيدُ صَلَاحَ صَلَاتِهِ، أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ: وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا. قَالَ: إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ»
فَأَمَّا الْكَلَامُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَتَكَلَّمَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. فَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " لَا أَعْرِفُ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا فِي ذَلِكَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزِيدَ بْنِ أَرْقَمَ، وَلَا يَثْبُتْ حُكْمُ النَّسْخِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِمْ حُكْمُ نَسْخِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ عِلْمِهِمْ، فَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ، وَبِخِلَافِ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute