فَأَمَّا إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِعْنِي الْجَارِيَةَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ. أَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ، وَإِنْ أَجَازَهُ صَحَّ؛ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ، «أَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ» وَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ لَهُ بِخَيْرٍ، فَصَحَّ، وَوَقَفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، كَالْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مَالِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ، ثُمَّ بَلَغَ، فَأَجَازَهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» . يَعْنِي مَا لَمْ تَمْلِكْ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ بَاعَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ جَائِزًا لِمَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ اتِّفَاقًا. وَمَتَى حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، فَاعْتَرَفَ لَهُ الْعَاقِدُ مَعَهُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِذَلِكَ، وَلَا قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْعَاقِدُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا يُبْطِلُ عَقْدَهُ.
وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّك بِعْت مَالَ غَيْرِك بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ. وَقَالَ: بَلْ بِعْت مِلْكِي. أَوْ قَالَ: بِعْت مَالَ مُوَكِّلِي بِإِذْنِهِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا. وَإِنْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى مَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْعِوَضِ.
[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ لَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ لَهُ غَيْرَهَا]
(٣٧٨٦) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ لَهُ امْرَأَةً، فَتَزَوَّجَ لَهُ غَيْرَهَا، أَوْ تَزَوَّجَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ بِكُلِّ حَالٍ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ ذِكْرَ الزَّوْجِ، فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَقَعْ لَهُ وَلَا لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَعْيَانُ الزَّوْجَيْنِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمُشْتَرَى لَهُ، فَافْتَرَقَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُتَزَوَّجِ لَهُ، فَإِنْ أَجَازَهُ صَحَّ، وَإِلَّا بَطَلَ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْبَيْعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
[فَصْلٌ قَالَ لِرَجُلِ اشْتَرِ لِي بِدَيْنِي عَلَيْك طَعَامًا]
(٣٧٨٧) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِي بِدَيْنِي عَلَيْك طَعَامًا. لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ قَالَ: تَسَلَّفْ لِي أَلْفًا مِنْ مَالِك فِي كُرِّ طَعَامٍ. فَفَعَلَ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْإِنْسَانُ بِمَالِهِ مَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute