للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءِ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَالًا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ.

وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. فِيمَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ الثَّابِتَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَى الْمُدَّعِي، فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا، كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ.

وَمَنْ قَالَ بِرُجُوعِهِ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ كَالْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى عَلَى الْمُنْكَرِ لَا غَيْرُ، أَمَّا أَنْ يَجِبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَدَّاهُ حَتْمًا، فَلَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَجِبُ لِمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ هَاهُنَا لَمْ يَجِبْ لَهُ حَقٌّ، وَلَا لَزِمَ الْأَدَاءُ إلَيْهِ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ جَوَازِ الدَّعْوَى، فَكَذَلِكَ هَذَا. وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى أَنْ يَعْلَمَ صِدْقَ الْمُدَّعِي، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ دَعْوَى بِشَيْءِ لَا يَعْلَمُ ثُبُوتَهُ، وَأَمَّا مَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، فَهُوَ وَكِيلُهُ، وَالتَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ.

ثُمَّ إنْ أَدَّى عَنْهُ بِإِذْنِهِ، رَجَعَ إلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ مُتَبَرِّعًا، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءِ وَإِنْ قَضَاهُ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ وَقَضَى بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنَّهُ قَضَى مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْكِرِ قَضَاؤُهُ.

[فَصْل صَالِح الْأَجْنَبِيُّ الْمُدَّعِي لِنَفْسِهِ]

(٣٤٩٥) فَصْلٌ: وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُدَّعِيَ لِنَفْسِهِ؛ لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَعْتَرِفَ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، أَوْ لَا يَعْتَرِفَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ، كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ. وَإِنْ اعْتَرَفَ لَهُ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، وَكَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَصِحُّ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَصِحُّ، فَبَيْعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ مُنْكِرٍ مَعْجُوزٍ عَنْ قَبْضِهِ أُولَى.

وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا، فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّك صَادِقٌ، فَصَالِحْنِي عَنْهَا، فَإِنِّي قَادِرٌ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا مِنْ الْمُنْكِرِ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَصِحُّ الصُّلْحُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى انْتِزَاعِهِ، اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَجَزَ، كَانَ لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى قَبْضِهِ مَعْدُومٌ حَالَ الْعَقْدِ، فَكَانَ فَاسِدًا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ مَيِّتٌ. وَلَوْ اعْتَرَفَ لَهُ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَا يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ شِرَاءَ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ.

فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ قَبْضِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَهُ مُمْكِنٌ، صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ عَلِمَا ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>