أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِوُجُودِ الْأَصْلِ فِي مَالِهِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْكَفَّارَاتِ. وَالثَّانِي، يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَسِيسُ، فَجَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَثَمَنَهُ، جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمَا فِي بَلَدِهِ. قُلْنَا: الطَّهَارَةُ تَجِبُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِانْتِقَالِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَلِأَنَّنَا لَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ التَّيَمُّمِ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ فِي بَلَدِهِ، بَطَلَتْ رُخْصَةُ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ.
[فَصْلٌ وَجَدَ ثَمَنَ الرَّقَبَةِ وَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً كَفَّارَة الظِّهَار]
(٦٢٠٥) فَصْلٌ: إنْ وَجَدَ ثَمَنَ الرَّقَبَةِ، وَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً يَشْتَرِيهَا، فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ. وَإِنْ وَجَدَ رَقَبَةً تُبَاعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الرَّقَبَةِ بِثَمَنٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَا يُجْحِفُ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بِيعَتْ بِثَمَنِ مِثْلِهَا. وَالثَّانِي، لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً بِثَمَنِ مِثْلِهَا، أَشْبَهَ الْعَادِمَ. وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ، الْعَادِمُ لِلْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَإِنْ وَجَدَ رَقَبَتَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، إلَّا أَنَّهَا رَقَبَةٌ رَفِيعَةٌ، يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا رِقَابًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، لَزِمَهُ شِرَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَلَا يُعَدُّ شِرَاؤُهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ ضَرَرًا، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي إعْتَاقِهَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لَهَا.
[مَسْأَلَة وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ]
(٦٢٠٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهَا مِنْ عُذْرٍ بَنَى، وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ بَعْضَ الشَّهْرِ، ثُمَّ قَطَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَفْطَرَ، أَنَّ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافَ الشَّهْرَيْنِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِوُرُودِ لَفْظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِهِ، وَمَعْنَى التَّتَابُعِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ صِيَامِ أَيَّامِهَا، فَلَا يُفْطِرُ فِيهِمَا، وَلَا يَصُومُ عَنْ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ. وَلَا يَفْتَقِرُ التَّتَابُعُ إلَى نِيَّةٍ، وَيَكْفِي فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ، وَشَرَائِطُ الْعِبَادَاتِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ النِّيَّةُ لِأَفْعَالِهَا. وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ، أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِكُلِّ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ ضَمَّ الْعِبَادَةِ إلَى الْعِبَادَةِ إذَا كَانَ شَرْطًا، وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهِ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. وَالثَّالِثُ، يَكْفِي نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى.
وَلَنَا، أَنَّهُ تَتَابُعٌ وَاجِبُ فِي الْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ، كَالْمُتَابَعَةِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ. وَيُفَارِقُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ، فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالْمُتَابَعَةِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute