للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأُنْثَى، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ ضَمِيرٌ، غُلِّبَ فِيهِ لَفْظُ التَّذْكِيرِ وَضَمِيرُهُ، فَلَمَّا رُدَّ الضَّمِيرُ عَلَى الْإِنَاثِ عُلِمَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَسَمَّى نَفْسَهُ أَرْمَلَا تَجَوُّزًا تَشْبِيهًا بِهِنَّ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ، وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ أَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءُ، وَلَا يُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ غَيْرُهُنَّ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِنَّ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَكَانَ قَدْ خَصَّ بِهِ أَهْلُ الْعُرْفِ النِّسَاءَ، وَهُجِرَتْ بِهِ الْحَقِيقَةُ حَتَّى صَارَتْ مَغْمُورَةً، لَا تُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعُرْفِيَّةِ.

[فَصْلٌ الْوَصِيَّة لِلْأَيَامَى]

(٤٦٦٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا لَفْظُ الْأَيَامَى، فَهُوَ كَالْأَرَامِلِ، إلَّا أَنَّهُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] . وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ» . وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الَّذِينَ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ، لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: آمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ زَوْجِهَا، وَأُمُّ عُثْمَانَ مِنْ رُقَيَّةَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي ... وَإِنْ كُنْت أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّمُ

وَلَنَا، أَنَّ الْعُرْفَ يَخُصُّ النِّسَاءَ بِهَذَا الِاسْمِ، وَالْحُكْمُ لِلِاسْمِ الْعُرْفِيِّ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ» . إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهَا الَّتِي تُوصَفُ بِهَذَا، وَيَضُرُّ بَوَارُهَا.

[فَصْلٌ الْوَصِيَّة لِلْعُزَّابِ]

(٤٦٦١) فَصْلٌ: وَالْعُزَّابُ هُمْ الَّذِينَ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَزَبٌ، وَامْرَأَةٌ عَزَبَةٌ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَزَبًا لِانْفِرَادِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ انْفَرَدَ فَهُوَ عَزَبٌ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا مِنْ الْوَحْشِ انْفَرَدَ:

يَجْلُو الْبَوَارِقُ عَنْ مجلمز لَهَقٍ ... كَأَنَّهُ مُتَقَبِّي يُلْمَقُ عَزَبُ

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْعَزَبُ بِالرِّجَالِ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ، وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ» . وَالْعَانِسُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: الَّذِي كَبِرَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ. قَالَ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ الْوَاقِفِيُّ:

فِينَا الَّذِي هُوَ مَا إنْ طَرَّ شَارِبُهُ ... وَالْعَانِسُونَ وَفِينَا الْمُرْدُ وَالشَّيْبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>