[مَسْأَلَة وُضُوء النَّافِلَة يُجْزِئ لِصَلَاةِ الْفَرِيضَة]
(١٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ صَلَّى فَرِيضَةً لَا أَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّافِلَةَ تَفْتَقِرُ إلَى رَفْعِ الْحَدَثِ كَالْفَرِيضَةِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ الْحَدَثُ تَحَقَّقَ شَرْطُ الصَّلَاةِ وَارْتَفَعَ الْمَانِعُ، فَأُبِيحَ لَهُ الْفَرْضُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ، إذَا تَوَضَّأَ لَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ، وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ، وَأُبِيحَ لَهُ سَائِرُ مَا يَحْتَاجُ إلَى الطَّهَارَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى.
(١٩٠) فَصْل يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: مَا بَأْسٌ بِهَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، مَا ظَنَنْت أَنَّ أَحَدًا أَنْكَرَ هَذَا. وَقَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.» وَرَوَى أَنَسٌ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْت: وَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ، قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي مُسْلِمٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي رَأَيْتُك صَنَعْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، قَالَ: عَمْدًا صَنَعْته.»
(١٩١) فَصْلٌ: وَتَجْدِيدُ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عِيسَى، وَنَقَلَ حَنْبَلُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَعَنْ غُطَيْفٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: «رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَوْمًا تَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَقُلْت: أَصْلَحَك اللَّهُ، أَفَرِيضَةٌ أَمْ سُنَّةٌ، الْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ؟ فَقَالَ: لَا، لَوْ تَوَضَّأْت لِصَلَاةِ الصُّبْحِ لَصَلَّيْت بِهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا مَا لَمْ أُحْدِثْ، وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ. وَإِنَّمَا رَغِبْت فِي الْحَسَنَاتِ.» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَدْ نَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَحْمَدَ: لَا فَضْلَ فِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(١٩٢) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا بِوُضُوئِهِ، وَلَمْ يَبُلَّ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، مِنْهُمْ: ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: وَبِهِ نَقُولُ، إلَّا أَنْ يَبُلَّ مَكَانًا يَجْتَازُ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنِّي أَكْرَهُهُ، إلَّا أَنْ يَفْحَصَ الْحَصَى عَنْ الْبَطْحَاءِ، كَمَا فُعِلَ لِعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ رَدَّ الْحَصَى عَلَيْهِ، فَإِنِّي لَا أَكْرَهُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَكْرَهُهُ؛ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ عَنْ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ فَضَلَاتِ الْوُضُوءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute