للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدَقَةِ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] . وَإِنْ قَالَ: عَفَوْت لَك عَنْهُ. صَحَّ؛ لِأَنَّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] . يَعْنِي بِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْ الصَّدَاقِ

وَإِنْ قَالَ: أَسْقَطْتُهُ عَنْك. صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ. وَإِنْ قَالَ: مَلَّكْتُك إيَّاهُ. صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ هِبَتِهِ إيَّاهُ.

[فَصْلٌ وَهَبَ الدَّيْنَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ]

(٤٤٥٣) فَصْلٌ: وَإِنْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ، لَمْ يَصِحَّ. وَبِهِ قَالَ فِي الْبَيْعِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ قَرْضًا، فَبِعْهُ مِنْ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بِنَقْدٍ، وَلَا تَبِعْهُ مِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ وَلَا نَسِيئَةٍ، وَإِذَا أَقْرَضْت رَجُلًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَلَا تَأْخُذْ مِنْ غَيْرِهِ عَرْضًا بِمَا لَك عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ، أَوْ جَاحِدٍ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ لَهُ.

فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ بِمَالٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنٍ، أَوْ يَتَقَابَضَانِ فِي الْمَجْلِسِ، لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَبَيْعِ الْآبِقِ. فَأَمَّا هِبَتُهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ، كَالْبَيْعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهَا عَلَى الْمُتَّهَبِ، وَلَا الْوَاهِبِ، فَتَصِحُّ، كَهِبَةِ الْأَعْيَانِ.

[فَصْلٌ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ فِي هِبَةُ الْمُشَاعِ]

(٤٤٥٤) فَصْلٌ: تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ قَالَ: أَبْرَأْتُك مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ. لِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا مُنِعَتْ لِأَجْلِ الْغَرَرِ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْجُمْلَةِ، فَقَدْ زَالَ الْغَرَرُ، وَصَحَّتْ الْبَرَاءَةُ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ: «اقْتَسِمَا، وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتِهِمَا، ثُمَّ تَحَالَّا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>