فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الطِّفْلَ الْمَنْبُوذَ لَا يَعْلَمُ رِقَّ نَفْسِهِ، وَلَا حُرِّيَّتَهَا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالٌ يَعْرِفُ بِهِ رِقَّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ رِقٌّ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ، فَكَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاسِمِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَلِلشَّافِعِي وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. صَارَتْ أَحْكَامُهُ أَحْكَامَ الْعَبِيدِ فِيمَا عَلَيْهِ دُونَ مَالَهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْمُزَنِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا لَهُ وَحَقًّا عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ مَا عَلَيْهِ دُونَ مَا لَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَلِي عِنْدَهُ رَهْنٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ إقْرَارُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَا عَلَيْهِ، فَيَثْبُتُ مَا لَهُ، كَالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَبَعٌ لِلرِّقِّ، فَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ، ثَبَتَ التَّبَعُ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ بِالْوِلَادَةِ، تَثْبُتُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا لَهَا. وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ ابْتِدَاءً لِرَجُلٍ، فَصَدَّقَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ جَوَابًا. وَإِنْ كَذَّبَهُ؛ بَطَلَ إقْرَارُهُ. ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ آخَرَ، جَازَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُسْمَعَ إقْرَارُهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ تَضَمَّنَ الِاعْتِرَافَ بِنَفْيِ مَالِكٍ لَهُ سِوَى هَذَا الْمُقِرِّ، فَإِذَا بَطَلَ إقْرَارُهُ بِرَدِّ الْمُقِرِّ لَهُ، بَقِيَ الِاعْتِرَافُ بِنَفْيِ مَالِكٍ لَهُ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِمَا نَفَاهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرِّقِّ. وَلَنَا أَنَّهُ إقْرَارٌ لَمْ يَقْبَلْهُ الْمُقِرُّ لَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ إقْرَارَهُ ثَانِيًا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِآخَرَ بَعْدَ رَدِّ الْأَوَّلِ. وَفَارَقَ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ وَلَمْ يُرَدَّ.
[فَصْلٌ إقْرَارُ اللَّقِيط بِالرِّقِّ بَعْدَ نِكَاحِهِ]
(٤٥٨٨) فَصْلٌ: إذَا قَبِلْنَا إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ بَعْدَ نِكَاحِهِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَسَدَ نِكَاحُهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ عَبْدٌ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَسَدَ نِكَاحُهُ أَيْضًا، وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ جَمِيعُهُ، لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ. فَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ، لَزِمَتْهُ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ تَابِعٌ لِأُمِّهِ. وَإِنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ، فَوَلَدُهُ لِسَيِّدِهَا، وَيَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَاتِهِ، وَيَفْدِيه سَيِّدُهُ أَوْ يُسَلِّمُهُ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ كَسْبٌ، اسْتَوْفَى الْمَهْرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهُ بِهِ لِسَيِّدِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى امْرَأَتِهِ، فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّهَا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى جَمِيعُهُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى خُمُسَاهُ. وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ أُنْثَى، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِإِقْرَارِهَا بِفَسَادِ نِكَاحِهَا، وَأَنَّهَا أَمَةٌ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، وَالنِّكَاحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute