للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَمْنَعَ الْوَارِثَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ، فَأَشْبَهَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ غَيْرِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَأَمَّا كَسْبُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَهُوَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ مُسْتَقِرٌّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ هُوَ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ.

[فَصْل قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرِ]

(٨٦٥٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، أَوْ قَالَ: بِيَوْمٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: لَا يَعْتِقُ، وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الصِّفَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: سَأَلْت أَحْمَدَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ لَا يَكُونُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِيَانِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو يَعْلَى فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَعْتِقُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَتَانِ؛ الْمَوْتُ وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِسْحَاقُ وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَعْتِقَهُ الْوَارِثُ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَعْتِقُ. يَكُونُ قَبْلَ الْمَوْتِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ، وَكَسْبُهُ لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ. وَإِنْ كَانَ أَمَةً، فَوَلَدَتْ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، فَوَلَدُهَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ، وَيَعْتِقُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ، كَمَا تَعْتِقُ هِيَ.

[فَصْل قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَقَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ]

. (٨٦٥٨) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. فَقَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ، صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَهُ، لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا. وَإِنْ قَالَ إذَا قَرَأْت قُرْآنًا، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَقَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ، صَارَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَعَادَ إلَى جَمِيعِهِ، وَهَا هُنَا نَكَّرَهُ، فَاقْتَضَى بَعْضَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] . وَقَالَ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: ٤٥] وَلَمْ يُرِدْ جَمِيعَهُ. قُلْنَا قَضِيَّةُ اللَّفْظِ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِهِ بِدَلِيلٍ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي قِرَاءَةَ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ تَرْغِيبَهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، بِتَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِهِ، وَمُجَازَاتِهِ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجَازِي بِهَذَا الْأَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلَا يُرَغِّبُ بِهِ، إلَّا فِيمَا يَشُقُّ، أَمَّا قِرَاءَتُهُ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَلَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>