إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ، فَهِيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا أُجْرَةً، وَإِنْ بَاعَهُ بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الزِّيَادَةَ، وَلَا زِيَادَةَ هَاهُنَا، فَهُوَ كَالْمُضَارِبِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ. وَإِنْ بَاعَهُ بِنَقْصٍ عَنْهُ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مُخَالِفٌ. وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، ضَمِنَ النَّقْصَ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مُطْلَقًا. وَهَذَا قَدْ مَضَى مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَةِ
وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئَةً، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي النَّقْدَ، لِمَا فِي النَّسِيئَةِ مِنْ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ وَالْخَطَرِ بِالْمَالِ، لِيَحْصُلَ لَهُ نَفْعُ الرِّبْحِ. وَيُفَارِقُ الْمُضَارِبَ عَلَى رِوَايَةٍ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لِرَبِّ الْمَالِ نَفْعٌ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ ضَرَرِهِ بِالنَّسِيئَةِ، وَهَا هُنَا لَا فَائِدَةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الرِّبْحِ بِحَالٍ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ، وَهُوَ فِي النَّسِيئَةِ أَكْثَرُ، وَهَا هُنَا لَيْسَ مَقْصُودُ رَبِّ الْمَالِ الرِّبْحَ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي النَّسِيئَةِ
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. يَعْنِي إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إنَّمَا اقْتَضَى بَيْعَهَا حَالًا، فَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً، فَلَمْ يَمْتَثِلْ الْأَمْرَ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا.
[فَصْلٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَيَصْرُم النَّخْلَ بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ]
(٤٢٣٨) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ، وَيَصْرِمَ النَّخْلَ، بِسُدُسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ. إنَّمَا جَازَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَاهَدَهُ فَقَدْ عَلِمَهُ بِالرُّؤْيَةِ، وَهِيَ أَعْلَى طُرُقِ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا عَلِمَ جُزْأَهُ الْمُشَاعَ، فَيَكُونُ أَجْرًا مَعْلُومًا
وَاخْتَارَهُ أَحْمَدُ عَلَى الْمُقَاطَعَةِ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الزَّرْعِ مِثْلُ الَّذِي قَاطَعَهُ عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ ضَرُورَةً.
[مَسْأَلَة اسْتِئْجَارُ الظِّئْرُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا]
(٤٢٣٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ، وَهِيَ: الْمُرْضِعَةُ. وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] . وَاسْتَرْضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ فَوْقَ دُعَائِهَا إلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ الطِّفْلَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَعِيشُ بِالرَّضَاعِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ رَضَاعُهُ مِنْ أُمِّهِ، فَجَازَ ذَلِكَ كَالْإِجَارَةِ فِي سَائِرِ الْمَنَافِعِ
، ثُمَّ نَنْظُرُ؛ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلرَّضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ، أَوْ لِلْحَضَانَةِ دُونَ الرَّضَاعِ، أَوْ لَهُمَا، جَازَ. وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ عَلَى الرَّضَاعِ، فَهَلْ تَدْخُلُ فِيهِ الْحَضَانَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute