للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة شَهَادَةُ الْعَدْلِ عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ]

(٨٤٠٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي الْحُدُودِ، إذَا كَانَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا) . الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ؛ (٨٤٠٨) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، فِي جَوَازِهَا.

وَالثَّانِي، فِي مَوْضِعِهَا. وَالثَّالِثُ، فِي شَرْطِهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ، بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَجْمَعَتْ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُقْبَلْ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ، وَمَا يَتَأَخَّرُ إثْبَاتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ يَمُوتُ شُهُودُهُ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ، وَمَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ، كَشَهَادَةِ الْأَصْلِ.

[الْفَصْل الثَّانِي الشَّهَادَة عَلَى الشَّهَادَة فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ]

(٨٤٠٩) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، بِإِجْمَاعٍ، كَمَا ذَكَرِ أَبُو عُبَيْدٍ، وَلَا تُقْبَلُ فِي حَدٍّ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ: تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ، وَكُلِّ حَقٍّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ، فَيَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، كَالْمَالِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ، وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْإِسْقَاطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ؛ فَإِنَّهَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالُ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْكَذِبِ فِي شُهُودِ الْفَرْعِ، مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ، لَا يُوجَدُ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْأَمْوَالِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ فِي الْحَاجَةِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ، فَبَطَلَ إثْبَاتُهَا.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ أَيْضًا، وَلَا حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ، أَمَّا الدِّمَاءُ وَالْحَدُّ فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: تُقْبَلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ. لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ، فَأَشْبَهَ الْأَمْوَالَ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَنْصُورٍ نَقَلَ أَنَّ سُفْيَانَ قَالَ: شَهَادَةُ رَجُلٍ مَكَانَ رَجُلٍ فِي الطَّلَاقِ جَائِزَةٌ. قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>