بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ، نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ رِضًا بِالْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي فَسَخَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ بِبَيْعِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِعَيْبِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُ ظَلَامَتِهِ بِرَدِّهِ، فَمَلَكَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ فَسْخَ الثَّانِيَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَا نُسَلِّمُ سُقُوطَ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ زَالَ الْمَانِعُ، فَظَهَرَ جَوَازُ الرَّدِّ، كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِغَيْبَةِ الْبَائِعِ، أَوْ لِمَعْنًى سِوَاهُ. وَسَوَاءٌ رَجَعَ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِإِقَالَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ شِرَاءٍ ثَانٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ رَجَعَ بِغَيْرِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ بِبَيْعِهِ، وَلَمْ يَزُلْ بِفَسْخِهِ. وَلَنَا، أَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِتَعَذُّرِهِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ. فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَهَا الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهَا الْأَوَّلِ، فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، ثُمَّ لِلثَّانِي رَدُّهُ. وَفَائِدَةُ الرَّدِّ هَاهُنَا، اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ الثَّانِي أَكْثَرُ.
[الْفَصْل الثَّانِي بَاعَ الْمَعِيبَ ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَ أَرْشِهِ]
(٣٠١٦) الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْمَعِيبَ، ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَ أَرْشِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ سَوَاءٌ بَاعَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ بِفِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ بِبَيْعِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ، كَمَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ بَاعَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ، فَلَا أَرْشَ لَهُ؛ لِرِضَاهُ بِهِ مَعِيبًا، وَإِنْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ، فَلَهُ الْأَرْشُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوَفِّهِ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ الْعَقْدُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِهِ نَاقِصًا، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ بَاعَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ؛ لِأَنَّنَا خَيَّرْنَاهُ ابْتِدَاءً بَيْنَ رَدِّهِ، وَإِمْسَاكِهِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ، فَبَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إمْسَاكِهِ، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْ الْمَبِيعِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِبَيْعِهِ، وَلَا رِضَاهُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، وَسَلَّمَ إلَيْهِ تِسْعَةً، فَبَاعَهَا الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ. لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ ظَلَامَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَسْتَدْرِكْهَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا ظُلِمَ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِذَلِكَ مِنْ الظَّالِمِ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رُجُوعِ بَائِعِ الْمَعِيبِ بِالْأَرْشِ، رِوَايَتَيْنِ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَجَهْلِهِ بِهِ.
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَرْشَ، فَإِذَا عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَرَدَّهُ بِهِ، أَوْ أَخَذَ أَرْشَهُ مِنْهُ، فَلِلْأَوَّلِ أَخْذُ أَرْشِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute