لِأَنَّ الْمُتَعَيِّنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ، وَغَيْرَ الْمُتَعَيِّنِ تَعَيَّنَ بِدُخُولِهِ فِيهِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ الْمُتَعَيِّنِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ.
[مَسْأَلَةُ إذَا كَانَ لِلْغُلَامِ عَشْرُ سِنِينَ وَأَطَاقَ الصِّيَامَ أَخَذَ بِهِ]
(٢١٠٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِذَا كَانَ لِلْغُلَامِ عَشْرُ سِنِينَ، وَأَطَاقَ الصِّيَامَ أَخَذَ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُلْزَمُ الصِّيَامَ، يُؤْمَرُ بِهِ وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهِ، لِيَتَمَرَّن عَلَيْهِ، وَيَتَعَوَّدَهُ، كَمَا يُلْزَمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْمَرُ بِهَا، وَمِمَّنْ ذَهَبِ إلَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصِّيَامِ إذَا أَطَاقَهُ، عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إذَا أَطَاقَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُبَاعَا، لَا يَخُورُ فِيهِنَّ وَلَا يَضْعُفُ، حُمِّلَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَان وَقَالَ إِسْحَاقُ: إذَا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ أُحِبُّ أَنْ يُكَلَّفَ الصَّوْمَ لِلْعَادَةِ. وَاعْتِبَارُهُ بِالْعَشْرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَهَا، وَاعْتِبَارُ الصَّوْمِ بِالصَّلَاةِ أَحْسَن لِقُرْبِ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى، وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ أُشَقُّ فَاعْتُبِرَتْ لَهُ الطَّاقَةُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُطِيقُ الصَّلَاةَ مَنْ لَا يُطِيقُهُ. (٢١٠١)
فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي غُلَامٍ احْتَلَمَ: صَامَ وَلَمْ يَتْرُكْ، وَالْجَارِيَةُ إذَا حَاضَتْ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى إيجَابِهِ عَلَى الْغُلَامِ الْمُطِيقِ لَهُ إذَا بَلَغَ عَشْرًا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَطَاقَ الْغُلَامُ صِيَامَ ثَلَاثَة أَيَّامٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَان» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، أَشْبَهَ الصَّلَاةَ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُضْرَبَ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ بَلَغَ عَشْرًا. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي، رِوَايَةً وَاحِدَةً: أَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ لَا تَجِبُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ فِي مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ يَقْضِيهَا. نَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ.» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ، كَالْحَجِّ. وَحَدِيثُهُمْ مُرْسَلٌ، ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَسَمَّاهُ وَاجِبًا، تَأْكِيدًا لِاسْتِحْبَابِهِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» (٢١٠٢) فَصْلٌ: إذَا نَوَى الصَّبِيُّ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ، فَبَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ السِّنِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُتِمُّ صَوْمَهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. لِأَنَّ نِيَّةَ صَوْمِ رَمَضَان حَصَلَتْ لَيْلًا فَيُجْزِئُهُ كَالْبَالِغِ.
وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute