حَيْسٌ، فَخَبَّأْت لَكَ مِنْهُ، قَالَ: أَدْنِيهِ، أَمَّا إنِّي قَدْ أَصْبَحْت وَأَنَا صَائِمٌ. فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ؛ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ، وَهُوَ أَتَمُّ مِنْ غَيْرِهِ
وَرَوَتْ أُمُّ هَانِئٍ، «قَالَتْ: دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِشَرَابٍ، فَنَاوَلَنِيهِ فَشَرِبْت مِنْهُ، ثُمَّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَفْطَرْت وَكُنْت صَائِمَةً. فَقَالَ لَهَا: أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ: فَلَا يَضُرُّك إنْ كَانَ تَطَوُّعًا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: «قُلْت، إنِّي صَائِمَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَمِيرُ نَفْسِهِ، فَإِنْ شِئْت فَصُومِي، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرِي» وَلِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَوْ أَتَمَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا إذَا خَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَان فَبَانَ مِنْ شَعْبَان أَوْ مِنْ شَوَّالٍ.
فَأَمَّا خَبَرُهُمْ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا يَثْبُتُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِيهِ مَقَالٌ. وَضَعَّفَهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إتْمَامُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ قَضَاؤُهُ؛ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَمَلًا بِالْخَبَرِ الَّذِي رَوَوْهُ. (٢٠٩٨)
فَصْلٌ: وَسَائِرُ النَّوَافِلِ مِنْ الْأَعْمَالِ حُكْمُهَا حُكْمُ الصِّيَامِ، فِي أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا، إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّهُمَا يُخَالِفَانِ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ فِي هَذَا، لِتَأَكُّدِ إحْرَامِهِمَا، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِإِفْسَادِهِمَا. وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ، وَلَمْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَإِنَّ الْأَثْرَمَ قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يُصْبِح صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، أَيَكُونُ بِالْخِيَارِ؟ وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ أَلَهِ أَنْ يَقْطَعَهَا؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَشَدُّ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا يَقْطَعُهَا. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَطَعَهَا قَضَاهَا؟ قَالَ: إنْ قَضَاهَا فَلِيس فِيهِ اخْتِلَافٌ. وَمَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيِّ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ، فَلَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، كَالْحَجِّ.
وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ تَرْكُ جَمِيعِهِ جَازَ تَرْكُ بَعْضِهِ، كَالصَّدَقَةِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يُخَالِفَانِ غَيْرَهُمَا. (٢٠٩٩) فَصْلٌ: وَمِنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ، كَقَضَاءِ رَمَضَان، أَوْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ، أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute