وَقَالَ الْقَاضِي، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَعْتِقُ نِصْفُهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ، مَعَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ لِلْآخَرِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، فَصَارَ بِالنِّسْبَةِ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ نِصْفُهُ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ، لَأَعْتَقْنَا أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ، لِأَنَّهُ فِي حَالِ تَقَدُّمِ تَارِيخِ عِتْقِ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ، لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ عَادِلَةً، فَمَعَ فُسُوقِهَا أَوْلَى، وَإِنْ كَذَّبَتْ الْوَرَثَةُ الْأَجْنَبِيَّةَ، فَقَالَتْ: مَا أَعْتَقَ غَانِمًا، إنَّمَا أَعْتَقَ سَالِمًا، عَتَقَ الْعَبْدَانِ. وَقِيلَ: يَعْتِقُ مِنْ سَالِمٍ ثُلُثَاهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
[فَصْل شَهِدَ عَدْلَانِ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ وَصَّى وَشَهِدَ عَدْلَانِ وَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ]
(٨٥٣٠) فَصْلٌ: فَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَجْنَبِيَّانِ، أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَشَهِدَ عَدْلَانِ وَارِثَانِ، أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، أَوْ كَانَتْ قِيمَةُ غَانِمٍ أَكْثَرَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ سَالِمٍ، لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ عَنْهَا ضَرَرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَهُمَا يُثْبِتَانِ لَأَنْفُسِهِمَا وَلَاءَ غَانِمٍ. قُلْنَا: وَهُمَا يُسْقِطَانِ وَلَاءَ سَالِمٍ، وَعَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إثْبَاتُ سَبَبِ الْمِيرَاثِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ شَهِدَا بِعِتْقِ غَانِمٍ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، ثَبَتَ عِتْقُهُ، وَلَهُمَا وَلَاؤُهُ، وَلَوْ شَهِدَا بِثُبُوتِ نَسَبِ أَخٍ لَهُمَا، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، مَعَ ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِرْثِ لَهُمَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهِ بِالْمَالِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِثَهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثَانِ فَاسِقَيْنِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا فِي الرُّجُوعِ، وَيَلْزَمُهُمَا إقْرَارُهُمَا لَغَانِمٍ، فَيَعْتِقُ سَالِمٌ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِالْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِهِ وَحْدَهُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ. ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ سَالِمٌ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، صَارَ كَالْمَغْصُوبِ، فَصَارَ غَانِمٌ نِصْفَ التَّرِكَةِ، فَيَعْتِقُ ثُلُثَاهُ، وَهُوَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ. وَلَنَا، أَنَّ الْوَارِثَةَ تُقِرُّ بِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ ثُلُثُ التَّرِكَةِ، وَأَنَّ عِتْقَ سَالِمٍ إنَّمَا كَانَ بِشَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ غُصِبَ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَمْ يَمْنَعْ، عِتْقَ غَانِمٍ كُلَّهُ، فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِعِتْقِهِ. وَقَدْ ذَكَرِ الْقَاضِي، فِيمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِإِعْتَاقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِهِ، وَوَارِثَةٌ فَاسِقَةٌ بِإِعْتَاقِ غَانِمٍ فِي مَرَضِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ سَالِمًا، أَنَّ غَانِمًا يَعْتِقُ كُلُّهُ. وَهَذَا مِثْلُهُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ غَانِمٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةٍ سَالِمٍ، فَالْوَارِثَةُ مُتَّهَمَةٌ؛ لِكَوْنِهَا تَرُدُّ إلَى الرِّقِّ مَنْ كَثُرَتْ قِيمَتِهِ، فَتُرَدُّ شَهَادَتُهَا فِي الرُّجُوعِ، كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيَعْتِقُ سَالِمٌ، وَغَانِمٌ كُلُّهُ أَوْ ثُلُثَاهُ وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً. فَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ الْوَارِثَةُ بِالرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ، لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute