للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ الْأَنْفُ بِالْأَنْفِ]

(٦٦٩٤) مَسْأَلَةٌ:؛ قَالَ: (وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ) وَأَجْمَعُوا عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَنْفِ أَيْضًا؛ لِلْآيَةِ وَالْمَعْنَى. وَيُؤْخَذُ الْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالْأَقْنَى بِالْأَفْطَسِ، وَأَنْفُ الْأَشَمِّ بِأَنْفِ الْأَخْشَمِ الَّذِي لَا يَشُمُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ فِي الدِّمَاغِ وَالْأَنْفُ صَحِيحٌ. كَمَا تُؤْخَذُ أُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ. وَإِنْ كَانَ بِأَنْفِهِ جُذَامٌ، أُخِذَ بِهِ الْأَنْفُ الصَّحِيحُ، مَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ، فَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، لَمْ يَقْطَعْ بِهِ الصَّحِيحَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ. فَيَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ مِثْلَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، أَوْ يَأْخُذَ أَرْشَ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ هُوَ الْمَارِنُ، وَهُوَ مَالَانِ مِنْهُ، دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَهُوَ كَالْيَدِ، يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا انْتَهَى إلَى الْكُوعِ. وَإِنْ قَطَعَ الْأَنْفَ كُلَّهُ مَعَ الْقَصَبَةِ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْمَارِنِ، وَحُكُومَةٌ لِلْقَصَبَةِ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ الْقِصَاصِ حُكُومَةٌ؛ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قِصَاصٌ وَدِيَةٌ.

وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيدَةَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهَا الْجَانِي فِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ فِي مَنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ أَوْ الْكَفِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي هَاهُنَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي نَظَائِرِهِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَلَا يَصِحُّ التَّفْرِيقُ مَعَ التَّسَاوِي. وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الْأَنْفِ، قُدِّرَ بِالْأَجْزَاءِ، وَأُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، كَقَوْلِنَا فِي الْأُذُنِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْمِسَاحَةِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى قَطْعِ جَمِيعِ أَنْفِ الْجَانِي لِصِغَرِهِ بِبَعْضِ أَنْفِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِكِبَرِهِ، وَيُؤْخَذُ الْمَنْخِرُ الْأَيْمَنُ بِالْأَيْمَنِ، وَالْأَيْسَرُ بِالْأَيْسَرِ، وَلَا يُؤْخَذُ أَيْمَنُ بِأَيْسَرَ، وَلَا أَيْسَرُ بِأَيْمَنَ، وَيُؤْخَذُ الْحَاجِزُ بِالْحَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ، لِانْتِهَائِهِ إلَى حَدٍّ.

[مَسْأَلَةٌ الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالذَّكَرُ بِالذَّكَرِ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي فِي الذَّكَرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] . وَلِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَيُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ، فَوَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ، كَالْأَنْفِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ ذَكَرُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالشَّيْخِ وَالشَّابِّ، وَالذَّكَرُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ الْأَطْرَافِ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي، كَذَلِكَ الذَّكَرُ. وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَخْتُونِ وَالْأَغْلَفِ بِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغُلْفَةَ زِيَادَةٌ تَسْتَحِقُّ إزَالَتَهَا، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>