للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ الزَّكَاةِ. فَهُوَ كَالْحَلِفِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكُفْرَ. وَإِنْ قَالَ: عَصَيْت اللَّهَ فِيمَا أَمَرَنِي، أَوْ فِي كُلِّ مَا افْتَرَضَ عَلَيَّ، أَوْ مَحَوْت الْمُصْحَفَ، أَوْ أَنَا أَسْرِقُ، أَوْ أَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إنْ فَعَلْت. وَحَنِثَ، لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا دُونَ الشِّرْكِ، وَإِنْ قَالَ: أَخْزَاهُ اللَّهُ، أَوْ أَقْطَعَ يَدَهُ، أَوْ لَعَنَهُ اللَّهُ، إنْ فَعَلَ. ثُمَّ حَنِثَ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَاللَّيْثُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إذَا قَالَ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: مَحَوْت الْمُصْحَفَ. وَإِنْ قَالَ: لَا يَرَانِي اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا إنْ فَعَلْت. وَحَنِثَ. فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا فِي هَذَا وَمِثْلِهِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ.

[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ]

(٧٩٦٨) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ: إنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

[مَسْأَلَةٌ الْحَلِفُ بِتَحْرِيمِ مَمْلُوكِهِ أَوْ شَيْء مِنْ الْمَال]

(٧٩٦٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (أَوْ بِتَحْرِيمِ مَمْلُوكِهِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذَا حَرَامٌ عَلَيَّ إنْ فَعَلْت. وَفَعَلَ، أَوْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت. ثُمَّ فَعَلَ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ. فَهُوَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ. وَيُرْوَى نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ،، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِيمَنْ قَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ: يَمِينٌ مِنْ الْأَيْمَانِ، يُكَفِّرُهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ. وَعَنْهُ: إنْ نَوَى طَلَاقًا، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَنْ الضَّحَّاكِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالُوا: الْحَرَامُ يَمِينُ طَلَاقٍ. وَقَالَ طَاوُسٌ: هُوَ مَا نَوَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ، فَلَغَا مَا قَصَدَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ رَبِيبَتِي.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] . سَمَّى تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ يَمِينًا، وَفَرَضَ لَهُ تَحِلَّةً، وَهِيَ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْت أَنَا وَحَفْصَةُ، أَنَّ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْتَقُلْ: إنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. فَدَخَلَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>