بِهِ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ. فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فِدَاءَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الْخِيرَةِ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَفِدَائِهِ، وَحُكْمُهُ فِي الرُّجُوعِ بِمَا فَدَاهُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ حُكْمُ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، بَيْنَ الرَّدِّ وَأَخْذِ الْأَرْشِ، فَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ، وَهُوَ قِسْطُ قِيمَتِهِ مَا بَيْنَهُ جَانِيًا وَغَيْرَ جَانٍ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ تَلَفَهُ كَانَ بِمَعْنًى اُسْتُحِقَّ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَجَرَى مَجْرَى إتْلَافِهِ إيَّاهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَلِفَ عِنْد الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، فَلَمْ يُوجِبْ الرُّجُوعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا، فَمَاتَ بِدَائِهِ، أَوْ مُرْتَدًّا، فَقُتِلَ بِرِدَّتِهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى إتْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، فَمَا اشْتَرَكَا فِي الْمُقْتَضِي.
وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِقَطْعِ يَدِهِ، فَقُطِعَتْ عِنْد الْمُشْتَرِي، فَقَدْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَطْعِ دُونَ حَقِيقَتِهِ، فَهَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ رَدَّهُ بِعَيْبِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَتَى اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ؛ وَلَا أَرْشٌ، كَسَائِرِ الْمَعِيبَاتِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (٣٠٣٦) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الْمُرْتَدِّ حُكْمُ الْقَاتِلِ، فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، فَإِنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ؛ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ إذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى قُدِرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ كَالْقَاتِلِ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ قِنٌّ، يَصِحُّ إعْتَاقُهُ، وَيَمْلِكُ اسْتِخْدَامَهُ، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَغَيْرِ الْقَاتِلِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَى حَالِ قَتْلِهِ، وَيَعْتِقُهُ فَيَنْجَرُّ بِهِ وَلَاءُ أَوْلَادِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ، كَالْمَرِيضِ الْمَأْيُوسِ مِنْ بُرْئِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَإِتْلَافُهُ وَإِذْهَابُ مَالِيَّتِهِ، وَحَرُمَ إبْقَاؤُهُ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ، وَهَذِهِ الْمَنْفَعَةُ الْيَسِيرَةُ مُفْضِيَةٌ بِهِ إلَى قَتْلِهِ لَا يَتَمَهَّدُ بِهَا مَحِلًّا لِلْبَيْعِ، كَالْمَنْفَعَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْمَيْتَةِ؛ لِسَدِّ بَثْقٍ، أَوْ إطْعَامِ كَلْبٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّهُ كَانَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ ذَلِكَ فِيهِ، وَانْحِتَامُ إتْلَافِهِ لَا يَجْعَلُهُ تَالِفًا؛ بِدَلِيلِ أَنَّ أَحْكَامَ الْحَيَاةِ، مِنْ التَّكْلِيفِ وَغَيْرِهِ، لَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمَوْتَى لَهُ، مِنْ إرْثِ مَالِهِ، وَنُفُوذِ وَصِيَّتِهِ وَغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ، لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا نَصَّ فِي هَذَا وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ، فِيمَا مَضَى، وَلَا فِي الْحَالِ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا التَّحَتُّمَ يُمْكِنُ زَوَالُهُ؛ لِزَوَالِ مَا ثَبَتَ بِهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ بِهِ، أَوْ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ زَوَالُهُ، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَحَقُّقُ تَلَفِهِ، وَذَلِكَ يَجْعَلُهُ كَالْمَرِيضِ الْمَأْيُوسِ مِنْ بُرْئِهِ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ.
[مَسْأَلَةٌ بَاعَ عَبْده أَوْ جَارِيَته وَلَهُ مَال مِلْكه إيَّاهُ مَوْلَاهُ أَوْ خَصَّهُ بِهِ]
(٣٠٣٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، إذَا كَانَ قَصْدُهُ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَالِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute