عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ، حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ» . وَهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِوُجُوهٍ، مِنْهَا أَنَّ هَذَا إثْبَاتٌ، وَمِنْهَا أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ إخْبَارٌ عَنْ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ فِعْلٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَتَقْدِيمُهُ، الثَّالِثُ أَنَّ ابْن عَبَّاسٍ كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالِ صَغِيرًا، لَا يَضْبِطُ مِثْلَ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُمَا كَانَا رَجُلَيْنِ، يَتَتَبَّعَانِ أَفْعَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْرِصَانِ عَلَى حِفْظِهَا، فَهُمَا أَعْلَمُ، وَلِأَنَّ جُلَّةَ الصَّحَابَةِ عَمِلُوا بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ عَلِمُوا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا عَدَلُوا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اخْتَصَّ بِاَلَّذِينَ كَانُوا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ؛ لِضَعْفِهِمْ، وَالْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ، وَمَا رَوَيْنَاهُ سُنَّةٌ فِي سَائِرِ النَّاسِ.
[فَصْل الدُّنُوّ مِنْ الْبَيْت فِي الطَّوَاف]
(٢٤٥٦) فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَ قُرْبَ الْبَيْتِ زِحَامٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، وَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّمَلِ، وَقَفَ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الرَّمَلِ وَالدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ. وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ، وَظَنَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّمَلِ، فَعَلَ، وَكَانَ أَوْلَى مِنْ الدُّنُوِّ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّمَلِ أَيْضًا، أَوْ يَخْتَلِطُ بِالنِّسَاءِ، فَالدُّنُوُّ أَوْلَى، وَيَطُوفُ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ، وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً رَمَلَ فِيهَا. وَإِنْ تَبَاعَدَ مِنْ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، سَوَاءٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَائِلٌ، مِنْ قُبَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَحُلْ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَضُرُّ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ مُؤْتَمًّا بِالْإِمَامِ مِنْ وَرَاءُ حَائِلٍ، وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «شَكَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَة الرَّمَلَ لَا يُسَنُّ فِي غَيْرِ الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ أَيْ طَوَافِ]
(٢٤٥٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَرْمُلُ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ إلَّا هَذَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّمَلَ لَا يُسَنُّ فِي غَيْرِ الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِيهَا لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ فَاتَ مَوْضِعُهَا، فَسَقَطَتْ، كَالْجَهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمَشْيَ هَيْئَةٌ فِي الْأَرْبَعَةِ، كَمَا أَنَّ الرَّمَلَ هَيْئَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا رَمَلَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَة، كَانَ تَارِكًا لِلْهَيْئَةِ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ، كَتَارِكِ الْجَهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، إذَا جَهَرَ فِي الْآخِرَتَيْنِ.
وَلَا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ فِي طَوَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute