أَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا حُرًّا، فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَسَامَةِ قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ حِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ، فَاتُّهِمَ الْيَهُودُ بِقَتْلِهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، وَكَانَ قَاتِلُهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، وَهُوَ الْمُمَاثِلُ لَهُ فِي حَالِهِ، فَفِيهِ الْقَسَامَةُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا قَسَامَةَ فِي الْعَبْدِ؛ فَإِنَّهُ مَالٌ، فَلَمْ تَجِبْ الْقَسَامَةُ فِيهِ، كَقَتْلِ الْبَهِيمَةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ قَتْلٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، فَأَوْجَبَ الْقَسَامَةَ، كَقَتْلِ الْحُرِّ، وَفَارَقَ الْبَهِيمَةَ؛ فَإِنَّهَا لَا قِصَاصَ فِيهَا. وَيُقْسِمُ عَلَى الْعَبْدِ سَيِّدُهُ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِدَمِهِ. وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، كَالْقِنِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ ثَابِتٌ فِيهِمْ. وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ يَقْتُلُ كَافِرًا، وَالْحُرِّ يَقْتُلُ عَبْدًا، فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَة إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِمَا الْقَسَامَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلُ آدَمِيٍّ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، فَشَرَعَتْ الْقَسَامَةُ فِيهِ، كَقَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ حُجَّةً فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، كَانَ حُجَّةً فِي قَتْلِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ، كَالْبَيِّنَةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ قَتْلٌ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَأَشْبَهَ قَتْلَ الْبَهِيمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِهَا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، شَرْعُهَا مَعَ عَدَمِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا اُتُّهِمَ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ، شُرِعَتْ الْقَسَامَةُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ لَمْ تُشْرَعْ الْقَسَامَةُ.
[فَصْلٌ قَتَلَ عَبْدُ الْمُكَاتَب]
(٧٠٣٦) فَصْلٌ: وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ، فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَفِي بَدَلِهِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ، وَلَهُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ عَبْدًا، فَقُتِلَ، فَالْقَسَامَةُ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَبْتَاعُهُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ دُونَهُ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ. وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ، فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُقْسِمَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْمُسْتَحِقَّ لِبَدَلِ الْمَقْتُولِ، بِمَنْزِلَةِ وَرَثَةِ الْحُرِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ، وَلَوْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدًا فَقُتِلَ، فَالْقَسَامَةُ لِلسَّيِّدِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِالتَّمْلِيكِ، أَوْ لَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَمْلِكْ، فَالْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ مَلَكَ فَهُوَ مِلْكٌ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ؛ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ.
وَإِنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِبَدَلِ الْعَبْدِ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةٍ لَمْ تُخْلَقْ. وَالْقَسَامَةُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ الْقَائِمُونَ مَقَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute