للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب الْكَفَّارَات]

ِ الْأَصْلُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» . فِي أَخْبَارٍ سِوَى هَذَا. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

[مَسْأَلَةٌ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ]

(٨٠٢٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مُسْلِمِينَ أَحْرَارًا، كِبَارًا كَانُوا أَوْ صِغَارًا، إذَا أَكَلُوا الطَّعَامَ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْحَانِثَ فِي يَمِينِهِ بِالْخِيَارِ؛ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ، وَإِنْ شَاءَ كَسَا، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - عَطَفَ بَعْضَ هَذِهِ الْخِصَالِ عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ " أَوْ "، وَهُوَ لِلتَّخْيِيرِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ (أَوْ) فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ، وَمَا كَانَ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) فَالْأَوَّلَ الْأَوَّلَ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " التَّفْسِيرِ ". وَالْوَاجِبُ فِي الْإِطْعَامِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ لِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَدَدِهِمْ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَيَأْتِي ذِكْرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ؛ أَنْ يَكُونُوا مَسَاكِينَ، وَهُمْ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ تُدْفَعُ إلَيْهِمْ الزَّكَاةُ، الْمَذْكُورَانِ فِي أَوَّلِ أَصْنَافِهِمْ، فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] وَالْفُقَرَاءُ مَسَاكِينُ وَزِيَادَةٌ؛ لِكَوْنِ الْفَقِيرِ أَشَدَّ حَاجَةً مِنْ الْمِسْكِينِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلِأَنَّ الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا اسْمٌ لِلْحَاجَةِ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِلْمَسَاكِينِ، لَكَانَ ذَلِكَ لَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا جُعِلَا صِنْفَيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى ذَكَرَ الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا بِاسْمَيْنِ، فَاحْتِيجَ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ.

فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْمَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الصِّنْفَيْنِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْحَاجَةُ إلَى مَا تَتِمُّ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَخَصَّهُمْ بِهَا، فَلَا تُدْفَعُ إلَى غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَدْفُوعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفَّارَةِ قَدْرٌ يَسِيرٌ، يُرَادُ بِهِ دَفْعُ حَاجَةِ يَوْمِهِ فِي مُؤْنَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْنَافِ لَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُمْ بِهَذَا؛ لِكَثْرَةِ حَاجَتِهِمْ، وَإِذَا صَرَفُوا مَا يَأْخُذُونَهُ فِي حَاجَتِهِمْ، صَرَفُوهُ إلَى غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>