أَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، إذَا جَاءَ بِرَجُلٍ أَمِينٍ. وَلَنَا أَنَّهُ عَامِلٌ فِي الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ فِيهِ، كَالْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ، كَالْوَكِيلِ. فَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا، فَلَهُ أَنْ يُزَارِعَ غَيْرَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَنَافِعُهَا مُسْتَحَقَّةً لَهُ، فَمَلَكَ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا، كَالْمَالِكِ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمُزَارِعِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْخَرَاجِ
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِمَنْ فِي يَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ أَنْ يُزَارِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَهَا. وَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُزَارِعَ فِي الْوَقْفِ، وَيُسَاقِيَ عَلَى شَجَرِهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَالِكٌ لِرَقَبَةِ ذَلِكَ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا عِنْدَ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ سَاقَاهُ عَلَى وُدِّيّ النَّخْلِ أَوْ صِغَارِ الشَّجَرِ إلَى مُدَّةٍ يَحْمِلُ فِيهَا غَالِبًا]
(٤١٣٥) فَصْلٌ: وَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ النَّخْلِ، أَوْ صِغَارِ الشَّجَرِ، إلَى مُدَّةٍ يَحْمِلُ فِيهَا غَالِبًا، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ يَكْثُرُ، وَنَصِيبَهُ يَقِلُّ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا، كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهُ سَهْمًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ. وَفِيهِ الْأَقْسَامُ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي كِبَارِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ، وَهِيَ أَنَّنَا إنْ قُلْنَا: الْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ. لَمْ نَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لَازِمٌ.
فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَجْعَلَ الْمُدَّةَ زَمَنًا يَحْمِلُ فِيهِ غَالِبًا، فَيَصِحُّ، فَإِنْ حَمَلَ فِيهَا فَلَهُ مَا شَرَطَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَجْعَلَهَا إلَى زَمَنٍ لَا يَحْمِلُ فِيهِ غَالِبًا، فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ حَمَلَ فِي الْمُدَّةِ، لَمْ يَسْتَحِقّ مَا جَعَلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ فَاسِدًا. فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شُرِطَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُدَّةَ زَمَنًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْمِلَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ. اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ
وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ. فَحَمَلَ فِي الْمُدَّةِ، اسْتَحَقَّ مَا شُرِطَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ فِيهَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَإِنْ شَرَطَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَنِصْفَ الْأَصْلِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي النَّمَاءِ وَالْفَائِدَةِ، فَإِذَا شَرَطَ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْأَصْلِ، لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي رَأْسِ الْمَالِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ ثَمَرَتِهَا، مُدَّةَ بَقَائِهَا، لَمْ يَجُزْ
وَإِنْ جَعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ عَامٍ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ.
[فَصْلٌ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ حَتَّى يَحْمِلَ وَيَكُونُ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ]
(٤١٣٦) فَصْل: وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ، وَيَعْمَلُ فِيهِ حَتَّى يَحْمِلَ، وَيَكُونُ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ، صَحَّ أَيْضًا. وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى صِغَارِ الشَّجَرِ، عَلَى مَا بَيَّنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute