للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى عَقْدِهِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ

وَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا بَعْدَ الْعَقْدِ، لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ، وَنَظَرْنَا فِي الْحَالِ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً، أَقَرَّهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، كَذَوَاتِ مَحْرَمِهِ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً وَأَسْلَمَا، أَوْ تَرَافَعَا فِي عِدَّتِهَا، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، أُقِرَّ لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ نِكَاحِهَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِكَاحُ مُتْعَةٍ، لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهَا نِكَاحٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ، فَهُمَا لَا يَعْتَقِدَانِ تَأْبِيدَهُ، وَالنِّكَاحُ عَقْدُ مُؤَبَّدٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ إفْسَادَ الشَّرْطِ وَصِحَّةَ النِّكَاحِ مُؤَبَّدًا، فَيُقَرَّانِ عَلَيْهِ

وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ مَتَى شَاءَا أَوْ شَاءَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَقِدَانِ لُزُومَهُ، إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَا فَسَادَ الشَّرْطِ وَحْدَهُ. وَإِنْ كَانَ خِيَارَ مُدَّةٍ، فَأَسْلَمَا فِيهَا، لَمْ يُقَرَّا؛ لِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا أُقِرَّا؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ لُزُومَهُ. وَكُلُّ مَا اعْتَقَدُوهُ، فَهُوَ نِكَاحٌ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا، فَلَوْ مَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً، فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِهِمْ نِكَاحًا، أُقِرَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَهُمْ فِي مَنْ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، فَأُقِرَّا عَلَيْهِ، كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدَاهُ نِكَاحًا، لَمْ يُقَرَّا عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ]

(٥٤٧٦) فَصْلٌ: وَأَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءِ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ، وَالْقَسَمِ، وَالْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالْإِحْصَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِمَّنْ أَجَازَ طَلَاقَ الْكُفَّارِ، عَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَوَقَعَ، كَطَلَاقِ الْمُسْلِمِ

فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ أَنْكِحَتِهِمْ. قُلْنَا: دَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ النِّسَاءَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٤] . وَقَالَ: {امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٩] . وَحَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي زَوْجِيَّةً صَحِيحَةً. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ، لَا مِنْ سِفَاحٍ» . وَإِذَا ثَبَتَ صِحَّتُهَا، ثَبَتَتْ أَحْكَامُهَا، كَأَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>