للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ، أَيَكُونُ فِي رَحْلِهِ وَيَرْمِي عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ الْقَاضِي: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى فِي يَدِ النَّائِبِ، لِيَكُونَ لَهُ عَمَلٌ فِي الرَّمْيِ. وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ، لَمْ تَنْقَطِعْ النِّيَابَةُ، وَلِلنَّائِبِ الرَّمْيُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ اسْتَنَابَهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَنَحْوَهُ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَتَحَرَّى الْمَرِيضُ حِينَ رَمْيِهِمْ، فَيُكَبِّرُ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ.

[فَصْلٌ تَرَكَ الرَّمْيَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ]

(٢٦٣٧) فَصْلٌ: وَمِنْ تَرَكَ الرَّمْيَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ أَحْمَدُ: أَعْجَبُ إلَيَّ إذَا تَرَكَ الْأَيَّامَ كُلَّهَا كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ. وَفِي تَرْكِ جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ دَمٌ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ فِي جَمْرَةٍ أَوْ الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا بَدَنَةً. قَالَ الْحَسَنُ: مَنْ نَسِيَ جَمْرَةً وَاحِدَةً يَتَصَدَّقُ عَلَى مِسْكِينٍ. وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ مَنَاسِكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَلِأَنَّهُ تَرَكَ مِنْ مَنَاسِكِهِ مَا لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ شَاةً كَالْمَبِيتِ. وَإِنْ تَرَكَ أَقَلِّ مِنْ جَمْرَةٍ، فَالظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فِي حَصَاةٍ، وَلَا فِي حَصَاتَيْنِ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ يَجِبُ الرَّمْيُ بِسَبْعٍ. فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. وَعَنْهُ، أَنَّ فِي كُلِّ حَصَاةٍ دَمًا. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ مَنَاسِكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْهُ: فِي الثَّلَاثَةِ دَمٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ، فِي كُلِّ حَصَاةٍ مُدٌّ. وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ. وَعَنْهُ، نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ الْجِمَارَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ تَرَكَ غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ، إلَى أَنْ يَبْلُغَ دَمًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. وَآخِرُ وَقْتِ الرَّمْيِ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَمَتَى خَرَجَتْ قَبْلَ رَمْيِهِ فَاتَ وَقْتُهُ، وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ الْوَاجِبُ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، فِي مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى إبِلِهِ فِي لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشَرَةَ، ثُمَّ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِ أَهْرَقَ دَمًا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الرَّمْيِ النَّهَارُ، فَيَخْرُجُ وَقْتُ الرَّمْي بِخُرُوجِ النَّهَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>