لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَثْبُتُ فِي الدَّيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدٍ وَجَبَ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ، لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُضَاهِي رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا يَزِيدُونَ فِي الدَّيْنِ لِيَزْدَادُوا فِي الْأَجَلِ.
[فَصْلٌ شَرَطَ عَقْدَ الرَّهْنِ بِالْأَلْفِ عَلَى مرتهن بِأَلْفَيْنِ]
(٣٣٦٧) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ، فَقَالَ: أَقْرِضْنِي أَلْفًا، بِشَرْطِ أَنْ أَرْهَنَك عَبْدِي هَذَا بِالْأَلْفَيْنِ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْقَرْضَ بَاطِلٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً، وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ. وَإِذَا بَطَلَ الْقَرْضُ بَطَلَ الرَّهْنُ. فَإِذَا قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يُعْطِيَهُ رَهْنًا بِمَا يَقْتَرِضُهُ جَازَ؟ قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا حَصَلَ لَهُ تَأْكِيدُ الِاسْتِيفَاءِ لِبَدَلِ مَا أَقْرَضَهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ، وَالْقَرْضُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوَفَاءِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا شَرَطَ فِي هَذَا الْقَرْضِ الِاسْتِيثَاقَ لِدَيْنِهِ الْأَوَّلِ، فَقَدْ شَرَطَ اسْتِيثَاقًا لِغَيْرِ مُوجِبِ الْقَرْضِ.
وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّ الْقَرْضَ صَحِيحٌ. وَلَعَلَّ أَحْمَدَ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْقَرْضِ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ، كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى جَرِّ الْمَنْفَعَةِ بِالْقَرْضِ، أَوْ حَكَمَ بِفَسَادِ الرَّهْنِ فِي الْأَلْفِ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ، وَصَحَّحَهُ فِيمَا عَدَاهُ. وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْقَرْضِ بَيْعٌ، فَقَالَ: بِعْنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ أَرْهَنَك عَبْدِي بِهِ وَبِالْأَلْفِ الْآخَرِ الَّذِي عَلَى. فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الثَّمَنَ أَلْفًا وَمَنْفَعَةً هِيَ وَثِيقَةٌ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ، وَتِلْكَ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةٌ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدَ الرَّهْنِ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ، أَوْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ دَارِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْآخَرُ دَارِهِ.
[فَصْلٌ فَسَدَ الرَّهْنُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ]
(٣٣٦٨) فَصْلٌ: وَإِذَا فَسَدَ الرَّهْنُ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ أَنَّهُ رَهْنٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ كَانَ صَحِيحُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ أَوْ مَضْمُونًا، فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مُؤَقَّتًا، أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يَصِيرُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَحُكْمُ الْفَاسِدِ مِنْ الْعُقُودِ حُكْمُ الصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ.
فَإِنْ كَانَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، فَهُوَ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرْسٌ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَإِنْ غَرَسَ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَكَانَ قَدْ شَرَطَ أَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ لَهُ، فَقَدْ غَرَسَ بِإِذْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا، فَقَدْ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ، فَيَكُونُ الرَّاهِنُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، بَيْنَ أَنْ يُقِرَّ غَرْسَهُ لَهُ، وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِقِيمَتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى قَلْعِهِ، وَيَضْمَنَ لَهُ مَا نَقَصَ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ]
(٣٣٦٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ، إلَّا مَا كَانَ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا، فَيَرْكَبُ وَيَحْلُبُ بِقَدْرِ الْعَلَفِ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ، كَالدَّارِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute