وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَأَصْلُهُمَا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهَلْ يَصِحُّ مِنْ بَائِعِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَأَمَّا إجَارَتُهَا بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُؤَجِّرِ، فَجَائِزَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْكِرَاءِ، فَإِذَا اكْتَرَاهَا صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، فَيَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لِمَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ مَعَ غَيْرِ الْعَاقِدِ جَازَ مَعَ الْعَاقِدِ، كَالْبَيْعِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ حَصَلَ، وَهَذَا الْمُسْتَحَقُّ لَهُ تَسْلِيمٌ آخَرُ
ثُمَّ يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهَا. فَإِنْ قِيلَ: التَّسْلِيمُ هَاهُنَا مُسْتَحَقٌّ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قُلْنَا الْمُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ حَصَلَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمٌ آخَرُ، غَيْرَ أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الْمَنَافِعُ بِتَلَفِ الدَّارِ أَوْ غَصْبِهَا، رُجِعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَعَذَّرَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي ضَمَانِهِ.
[فَصْلٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ بِمِثْلِ الْأَجْرِ وَزِيَادَة]
(٤٢١٥) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ، بِمِثْلِ الْأَجْرِ وَزِيَادَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ فِي الْعَيْنِ زِيَادَةً، جَازَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِزِيَادَةٍ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ، فَإِنْ فَعَلَ، تَصَدَّقَ بِالزِّيَادَةِ
رَوَى هَذَا الشَّعْبِيُّ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَرْبَحُ بِذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلِأَنَّهُ يَرْبَحُ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ رَبِحَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَيُخَالِفُ مَا إذَا عَمِلَ عَمَلًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي الزِّيَادَةِ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَكَرِهَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا؛ لِدُخُولِهَا فِي رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ
وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَجَازَ بِزِيَادَةٍ، كَبَيْعِ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَكَمَا لَوْ أَحْدَثَ عِمَارَةً لَا يُقَابِلُهَا جُزْءٌ مِنْ الْأَجْرِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّهَا لَوْ فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَائِهِ، كَانَتْ مِنْ ضَمَانِهِ. وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَهَا هُنَا جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ مُلْغًى بِمَا إذَا كَنَسَ الدَّارَ وَنَظَّفَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي أَجْرِهَا فِي الْعَادَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute