[فَصْلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ]
(٨٥٧١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ. يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ، عَتَقَتْ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى، لَا تَعْتِقُ. كَقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَعْتِقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ، أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ؛ لِكَوْنِكِ حُرَّةً. فَتَعْتِقُ بِهِ، كَقَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ.
[فَصْلٌ الْعِتْقُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ]
(٨٥٧٢) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ، وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الرَّشِيدُ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ حَرْبِيًّا. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ، فِي أَنَّ عِتْقَ الْحَرْبِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ التَّمَامِ، بِدَلِيلِ، إبَاحَةِ أَخْذِهِ مِنْهُ، وَانْتِقَاءِ عِصْمَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ، كَالذِّمِّيِّ. وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ بَالِغٌ، عَاقِلٌ، رَشِيدٌ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ، كَالذِّمِّيِّ. وَقَوْلُهُمْ: لَا مِلْكَ لَهُ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: إنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ، فَلَأَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لَهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَوْلَى.
[فَصْلٌ عِتْقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ]
(٨٥٧٣) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِمَّنْ حَفِظْنَا عَنْهُ ذَلِكَ؛ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمَا، كَالْهِبَةِ. وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ، قِيَاسًا عَلَى طَلَاقِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَحَظِّ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ، كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ فِي حَيَاتِهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهُ، وَهِبَتَهُ. وَيُفَارِقُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ. وَيُفَارِقُ التَّدْبِيرَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَغِنَاهُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، وَلَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ الْمُنَجَّزَةُ. وَعِتْقُ السَّكْرَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ، وَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِيهِ. وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الْمُكْرَهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ.
[فَصْلٌ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ]
(٨٥٧٤) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ يَتِيمِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ. وَبِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute