للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ» . وَمَنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَقَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ. فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوتِرَ أَوَّلَهُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا ذَرٍّ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ. وَقَالَ مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِهِ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا صِحَاحٌ، رَوَاهَا مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: أُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ. وَقَالَ لِعُمَرَ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ. فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَخَذَ هَذَا بِالْحَزْمِ وَأَخَذَ هَذَا بِالْقُوَّةِ» وَأَيَّ وَقْتٍ أَوْتَرَ مِنْ اللَّيْلِ، بَعْدَ الْعِشَاءِ أَجْزَأَهُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ دَلَّتْ الْأَخْبَارُ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ أُوتِرُ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ لِلتَّهَجُّدِ]

(١٠٨٩) فَصْلٌ: وَمَنْ أَوْتَرَ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ لِلتَّهَجُّدِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ مَثْنَى مَثْنَى، وَلَا يَنْقُضَ وِتْرَهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَمَّارٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ. وَكَانَ عَلْقَمَةُ لَا يَرَى نَقْضَ الْوِتْرِ. وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَأَبُو مِجْلَزٍ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: وَلَا تَرَى نَقْضَ الْوِتْرِ؟ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَأَرْجُو، لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ. وَمَرْوِيٌّ. عَنْ عَلِيٍّ، وَأُسَامَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَسَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ.

وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ يُصَلِّي رَكْعَةً تَشْفَعُ الْوِتْرَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى، ثُمَّ يُوتِرُ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ. وَلَعَلَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» . وَلَنَا: مَا رَوَى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ، قَالَ: «زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ، ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ انْحَدَرَ إلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلًا، فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَنَامُ عَلَى فِرَاشِي، فَإِنْ اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حَتَّى الصَّبَاحِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَفْعَلُهُ.

[فَصْلٌ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَأَحَبَّ مُتَابَعَتَهُ فِي الْوِتْرِ وَأَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ آخِرَ اللَّيْلِ]

(١٠٩٠) فَصْلٌ: فَإِنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، وَأَحَبَّ مُتَابَعَتَهُ فِي الْوِتْرِ، وَأَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ، وَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى يَشْفَعُ بِهَا صَلَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ: إنْ شَاءَ أَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>