وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَرَبِيعَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيم مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ، فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ فَرَّقَهَا.
وَلَنَا، أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ، وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا، فَيَكُونُ مُوقِعًا لِلثَّلَاثِ جَمِيعًا، فَيَقَعْنَ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. أَوْ: طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَتَانِ. وَيُفَارِق مَا إذَا فَرَّقَهَا، فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ إذَا عَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَإِنَّ الْأُولَى تَقَعُ قَبْلَ الثَّانِيَةِ بِمُقْتَضَى إيقَاعِهِ، وَهَاهُنَا لَا تَقَعُ الْأُولَى حِينَ نُطْقِهِ بِهَا حَتَّى يَتِمَّ كَلَامُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَلْحَقَهُ اسْتِثْنَاءً، أَوْ شَرْطًا، أَوْ صِفَةً، لَحِقَ بِهِ، وَلَمْ يَقَعْ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ يَقَعُ حِينَ تَلَفَّظَهُ، لَمْ يَلْحَقْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَقِفُ وُقُوعُهُ عَلَى تَمَامِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ تَمَامِ كَلَامِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ، وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ مُجْتَمِعَاتٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: لِأَنَّهُ نَسَقٌ. أَيْ غَيْرُ مُفْتَرِقٍ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا وَقَفَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ، مَعَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ لَهُ، وَالْعَطْفُ لَا يُغَيِّرُ فَلَا يَقِفُ عَلَيْهِ، وَنَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَقَعَ أَوَّلَ مَا لَفِظَ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ. قُلْنَا: مَا لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ، فَهُوَ عُرْضَةٌ لِلتَّغْيِيرِ، إمَّا بِمَا يَخُصُّهُ بِزَمَنِ، أَوْ يُقَيِّدُهُ بِقَيْدٍ كَالشَّرْطِ، وَإِمَّا بِمَا يَمْنَعُ بَعْضَهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِمَّا بِمَا يُبَيِّنُ عَدَدَ الْوَاقِعِ، كَالصِّفَةِ بِالْعَدَدِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَقَعَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ بِحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. فَوَقَعَتْ بِهَا طَلْقَةٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا. لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَقَعَ بِهَا شَيْءٌ آخَرُ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ. فَهَاتَانِ جُمْلَتَانِ لَا تَتَعَلَّقُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَلَوْ تَعَقَّبَ إحْدَاهُمَا شَرْطٌ أَوْ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ صِفَةٌ، لَمْ يَتَنَاوَلْ الْأُخْرَى، وَلَا وَجْهَ لِوُقُوفِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَالْمَعْطُوفُ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، لَوْ تَعَقَّبَهُ شَرْطٌ لَعَادَ إلَى الْجَمِيعِ، وَلِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُفِيدُ بِمُفْرَدِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهَا جُمْلَةٌ مُفِيدَةٌ، لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُخْرَى، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا]
(٦٠١٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا. فَهِيَ عِنْدَنَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، يَقَعُ الثَّلَاثُ. وَقَالَ مُخَالِفُونَا: يَقَعُ طَلْقَتَانِ.
وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَدَخَلَتْ، طَلُقَتْ، فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وُجِدَتْ، فَاقْتَضَى وُقُوعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، فَدَخَلْت الدَّارَ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute