تَحْرِيمِهِ: " فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ ". وَقَوْلِهِ: " فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَ ". وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِي الْمُبِيحِ، فَلَمْ يَحْرُمْ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ أَرْسَلَ الْكَلْبَيْنِ وَسَمَّى. وَلَوْ جَهْلَ حَالَ الْكَلْبِ الْمُشَارِكِ لِكَلْبِهِ، ثُمَّ انْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ مُسَمًّى عَلَيْهِ، مُجْتَمِعَةٌ فِيهِ الشَّرَائِطُ، حَلَّ الصَّيْدُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ لِجَهْلِهِ بِمُشَارَكَةِ الْآخَرِ لَهُ، أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَلْبٌ مُسَمًّى عَلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِهِ، حَرُمَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ لَا تَتَغَيَّرُ بِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهَا، وَلَا الْجَهْلِ بِوُجُودِهَا.
[فَصْلٌ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ فَقَتَلَا صَيْدًا]
(٧٧١٥) فَصْلٌ: وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ، فَأَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ، فَقَتَلَا صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ حَرَامٌ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ غَلَبَ الْحَظْرُ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ، وَالْحِلُّ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرْطٍ، وَهُوَ تَذْكِيَةُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، أَوْ صَيْدُهُ الَّذِي حَصَلَتْ التَّذْكِيَةُ بِهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إنْ رَمَيَاهُ بِسَهْمَيْهِمَا، فَأَصَابَاهُ، فَمَاتَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ سَهْمَاهُمَا فِيهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ يَقَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ قَدْ عَقَرَهُ عَقْرًا موحيا، مِثْلَ أَنْ ذَبَحَهُ، أَوْ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمَذْبُوحِ، ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ مَذْبُوحٍ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ الْمُسْلِمَ، أُبِيحَ، وَإِنْ كَانَ الْمَجُوسِيَّ، لَمْ يُبَحْ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي موحيا أَيْضًا، فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ حَصَلَتْ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ مُوحٍ.
وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ؛ لِقَوْلِهِ: وَإِذَا ذَبَحَ فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلِ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، لَمْ تُؤْكَلْ. وَلِأَنَّ الرُّوحَ خَرَجَتْ بِالْجُرْحَيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَاهُ مَعًا. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُوحٍ، وَالثَّانِي مُوحٍ، فَالْحُكْمُ لِلثَّانِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ.
وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ كَلْبًا وَاحِدًا، فَقَتَلَ صَيْدًا، لَمْ يُبَحْ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَهُ مُسْلِمَانِ وَسَمَّى أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُعَلَّمٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، فَقَتَلَا صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ. وَكَذَلِكَ إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ، فَاسْتَرْسَلَ مَعَهُ مُعَلَّمٌ آخَرُ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَا الصَّيْدَ، لَمْ يَحِلَّ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَحِلُّ هَاهُنَا.
وَلَنَا، أَنَّ إرْسَالَ الْكَلْبِ عَلَى الصَّيْدِ شَرْطٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَحَدِهِمَا.
[فَصْلٌ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ وَأَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ فَرَدَّ كَلْبُ الْمَجُوسِيّ الصَّيْدَ إلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ]
(٧٧١٦) فَصْلٌ: فَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ، وَأَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ، فَرَدَّ كَلْبُ الْمَجُوسِيّ الصَّيْدَ إلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ، فَقَتَلَهُ، حَلَّ أَكْلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute