[فَصْل أَخْرَجَ رِجْلَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ]
(٤١٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ، فَهُوَ كَخَلْعِهِ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبِينُ لِي أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَ لَمْ تَظْهَرْ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ "، عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى كَذَلِكَ وَلَنَا، أَنَّ اسْتِقْرَارَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ شَرْطُ جَوَازِ الْمَسْحِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْخُفَّ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا فِيهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الِاسْتِقْرَارُ زَالَ شَرْطُ جَوَازِ الْمَسْحِ، فَيَبْطُلُ الْمَسْحُ لِزَوَالِ شَرْطِهِ، كَزَوَالِ اسْتِتَارِهِ وَإِنْ كَانَ إخْرَاجُ الْقَدَمِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، لَمْ يَبْطُلْ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مُسْتَقَرِّهَا.
[فَصْل لُبْسَ الْخُفَّيْنِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا]
(٤١٧) فَصْلٌ: كَرِهَ أَحْمَدُ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ، وَاللُّبْسُ يُرَادُ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَلَا يَرَى الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَاسِعًا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ كَامِلَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَبِسَهُ إذَا خَافَ غَلَبَةَ النُّعَاسِ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَ قَلْبِهِ بِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ يَذْهَبُ بِخُشُوعِ الصَّلَاةِ، وَيَمْنَعُ الْإِتْيَانَ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ، وَرُبَّمَا حَمَلُهُ ذَلِكَ عَلَى الْعَجَلَةِ فِيهَا، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي اللُّبْسِ.
[مَسْأَلَة أَحْدَثَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَلَمْ يَمْسَحْ عَلَى خُفَّيْهِ حَتَّى سَافَرَ]
(٤١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَوْ أَحْدَثَ وَهُوَ مُقِيمٌ، فَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى سَافَرَ، أَتَمَّ عَلَى مَسْحِ مُسَافِرٍ مُنْذُ كَانَ الْحَدَثُ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْسَحْ حَتَّى سَافَرَ، أَنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ الْمُسَافِرِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ» وَهُوَ حَالُ ابْتِدَائِهِ بِالْمَسْحِ كَانَ مُسَافِرًا. وَقَوْلُهُ: " مُنْذُ كَانَ الْحَدَثُ " يَعْنِي ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ. هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ حِينِ مَسَحَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ امْسَحْ إلَى مِثْلِ سَاعَتِك الَّتِي مَسَحْت، وَفِي لَفْظٍ، قَالَ: يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ إلَى السَّاعَةِ الَّتِي تَوَضَّأَ فِيهَا.
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، قَوْلِهِ: يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ عَلَى خُفَّيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ". وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الْمَسْحِ مُدَّةٌ لَمْ تُبَحْ الصَّلَاةُ بِمَسْحِ الْخُفِّ فِيهَا. فَلَمْ تُحْسَبْ مِنْ الْمُدَّةِ، كَمَا قَبْلَ الْحَدَثِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا. وَلَنَا: مَا نَقَلَهُ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرَّزُ، فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ: «مِنْ الْحَدَثِ إلَى الْحَدَثِ» ؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْحَدَثِ زَمَانٌ يُسْتَبَاحُ فِيهِ الْمَسْحُ، فَكَانَ مِنْ وَقْتِهِ، كَبَعْدِ الْمَسْحِ، وَالْخَبَرُ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ دُونَ فِعْلِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute