[الْفَصْل الرَّابِع عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَ نَقْصِ الْأَرْضِ]
(٣٩٤١) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: إنَّ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانَ نَقْصِ الْأَرْضِ، إنْ كَانَ نَقَصَهَا الْغَرْسُ، أَوْ نَقَصَتْ بِغَيْرِهِ. وَهَكَذَا كُلُّ عَيْنٍ مَغْصُوبَةٍ، عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نَقْصِهَا إذَا كَانَ نَقْصًا مُسْتَقِرًّا، كَثَوْبٍ تَخَرَّقَ، وَإِنَاءٍ تَكَسَّرَ، وَطَعَامٍ سَوَّسَ، وَبِنَاءٍ خَرِبَ، وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَأَرْشَ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، كَالْقَفِيزِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالذِّرَاعِ مِنْ الثَّوْبِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا شَقَّ رَجُلٌ لِرَجُلِ ثَوْبًا شَقًّا قَلِيلًا، أَخَذَ أَرْشَهُ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ، وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ وَأَخْذِ أَرْشِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامٌ يَحْتَمِلُ هَذَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ، فِي الثَّوْبِ: إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ مِثْلَهُ. يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الشَّقِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ أَتْلَفَتْ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً لَهُ. وَحَكَى أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ، أَنَّهُ إذَا جَنَى عَلَى عَيْنٍ، فَأَتْلَفَ غَرَضَ صَاحِبِهَا فِيهَا، كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَجَعَ بِمَا نَقَصَتْ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا وَأَخَذَ قِيمَتَهَا.
وَلَعَلَّ مَا يُحْكَى عَنْهُ مِنْ قَطْعِ ذَنَبِ حِمَارِ الْقَاضِي، يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ غَرَضَهُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُهُ فِي الْعَادَةِ. وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ السِّلْعَةِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جَمِيعَهَا. وَلَنَا، أَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مَالٍ أَرْشُهَا دُونَ قِيمَتِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُطَالَبَةَ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الشَّقُّ يَسِيرًا، وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ تَنْقُصُ بِهَا الْقِيمَةُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتْلَفْ غَرَضُ صَاحِبِهَا، وَفِي الشَّاةِ تَلِفَ جَمِيعُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْإِتْلَافِ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَا بِغَرَضِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إنْ لَمْ يَصْلُحْ لِهَذَا صَلَحَ لِغَيْرِهِ.
[فَصْلٌ قَدْرُ الْأَرْشِ قَدْرُ نَقْصِ الْقِيمَةِ فِي الْغَصْب]
(٣٩٤٢) فَصْلٌ: وَقَدْرُ الْأَرْشِ قَدْرُ نَقْصِ الْقِيمَةِ فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَيْنَ الدَّابَّةِ تُضْمَنُ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا.
فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، فِي رَجُلٍ فَقَأَ عَيْنَ دَابَّةٍ لِرَجُلٍ: عَلَيْهِ رُبْعُ قِيمَتِهَا. قِيلَ لَهُ: فَقَأَ الْعَيْنَيْنِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ رُبْعُ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْعَيْنَانِ فَمَا سَمِعْت فِيهِمَا شَيْئًا. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً؟ فَقَالَ: هَذَا غَيْرُ الدَّابَّةِ، هَذَا يُنْتَفَعُ بِلَحْمِهِ، يُنْظَرُ مَا نَقَصَهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَوْجَبَ مِقْدَارًا فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الدَّابَّةِ، وَهِيَ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ خَاصَّةً لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ فِيهِ، وَمَا عَدَا هَذَا يُرْجَعُ إلَى الْقِيَاسِ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، بِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا» . وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ لَمَّا كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ عَيْنِ الدَّابَّةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute