اُعْتُبِرَ الْحَيْضُ فِي حَقِّهَا، لَاعْتُبِرَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، كَالْمُطَلَّقَةِ. وَهَذَا الْخِلَافُ يَخْتَصُّ بِذَاتِ الْقُرْءِ، فَأَمَّا الْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ، فَلَا خِلَافَ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ، إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا أَرَى عِدَّةَ الْأَمَةِ إلَّا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ مَضَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ، فَإِنَّ السُّنَّةَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَأَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ وَعُمُومِهِ.
وَلَنَا، اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، فَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ.
[فَصْلٌ الْعَشْرُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعِدَّةِ]
(٦٣٣١) فَصْلٌ: وَالْعَشْرُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعِدَّةِ هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا، فَتَجِبُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ مَعَ اللَّيَالِي. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَجِبُ عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْعَشْرَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ،، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْأَيَّامُ اللَّاتِي فِي أَثْنَاءِ اللَّيَالِي تَبَعًا. قُلْنَا: الْعَرَبُ تُغَلِّبُ اسْمَ التَّأْنِيثِ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً عَلَى الْمُذَكَّرِ، فَتُطْلِقُ لَفْظَ اللَّيَالِي وَتُرِيدُ اللَّيَالِيَ بِأَيَّامِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] . يُرِيدُ بِأَيَّامِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] . يُرِيدُ بِلَيَالِيِهَا.
وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، لَزِمَهُ، اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ. وَيَقُولُ الْقَائِلُ: سِرْنَا عَشْرًا، يُرِيدُ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا. فَلَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا عَنْ الْعِدَّةِ إلَى الْإِبَاحَة بِالشَّكِّ.
[فَصْل مَاتَ زَوْجَ الرَّجْعِيَّة]
(٦٣٣٢) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ زَوْجَ الرَّجْعِيَّةِ، اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، بِلَا خِلَافٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَيَنَالُهَا مِيرَاثُهُ، فَاعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ، كَغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ. وَإِنْ مَاتَ مُطَلِّقُ الْبَائِنِ فِي عِدَّتِهَا، بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ، إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَلَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، لِأَنَّهَا بَائِنٌ مِنْ النِّكَاحِ، فَلَا تَكُونُ مَنْكُوحَةً.
وَلَنَا أَنَّهَا وَارِثَةٌ لَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، كَالرَّجْعِيَّةِ، وَتَلْزَمُهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ؛ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي دَلِيلِهِمْ، وَإِنْ مَاتَ الْمَرِيضُ الْمُطَلِّقُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضِ، أَوْ بِالشُّهُورِ، أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، أَوْ كَانَ طَلَاقُهُ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute