للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْدِيمُ ذِي الْأَرْحَامِ عَلَى الْمَوْلَى. وَلَعَلَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥]

وَلَنَا، حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ، وَلِأَنَّهُ عَصَبَةٌ يَعْقِلُ عَنْ مَوْلَاهُ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الرَّدِّ وَذَوِي الرَّحِمِ، كَابْنِ الْعَمِّ.

[فَصْلٌ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَة أَوْ ذَوُو فَرْضٍ تَسْتَغْرِقُ فُرُوضُهُمْ الْمَالَ]

(٤٩٩٥) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ نَسَبِهِ، أَوْ ذَوُو فَرْضٍ تَسْتَغْرِقُ فُرُوضُهُمْ الْمَالَ فَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» . وَالْعَصَبَةُ مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْلَى مِنْ ذِي الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْقَرَابَةِ، وَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَلِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَالنَّفَقَةُ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالْوَلَاءِ.

[فَصْلٌ اخْتَلَفَ دِينُ السَّيِّدِ وَعَتِيقه]

(٤٩٩٦) فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُ السَّيِّدِ وَعَتِيقِهِ، فَالْوَلَاءُ ثَابِتٌ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَلِقَوْلِهِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . وَلُحْمَةُ النَّسَبِ تَثْبُتُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ لِإِنْعَامِهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ مَعَ اخْتِلَافِ دِينِهِمَا، وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَلِكُلِّ مُعْتِقٍ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ. وَهَلْ يَرِثُ السَّيِّدُ مَوْلَاهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرِثُهُ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ: الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَرِثُ الْمُسْلِمُ مَوْلَاهُ النَّصْرَانِيَّ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لَهُ تَمَلُّكُهُ، وَلَا يَرِثُ النَّصْرَانِيُّ مَوْلَاهُ الْمُسْلِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ تَمَلُّكُهُ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ مَعَ اخْتِلَافِ دِينِهِمَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . وَلِأَنَّهُ مِيرَاثٌ، فَيَمْنَعُهُ اخْتِلَافُ الدِّينِ، كَمِيرَاثِ النَّسَبِ

وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ مَانِعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَمَنَعَ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ، كَالْقَتْلِ وَالرِّقِّ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالنَّسَبِ أَقْوَى، فَإِذَا مَنَعَ الْأَقْوَى فَالْأَضْعَفُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، بِقَوْلِهِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . وَكَمَا يَمْنَعُ اخْتِلَافُ الدِّينِ التَّوَارُثَ مَعَ صِحَّةِ النَّسَبِ وَثُبُوتِهِ، كَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مَعَ صِحَّةِ الْوَلَاءِ، وَثُبُوتِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْإِسْلَامِ، تَوَارَثَا كَالْمُتَنَاسِبِينَ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ الْعَبْدِ، وَرِثَهُ دُونَ سَيِّدِهِ. وَقَالَ دَاوُد: لَا يَرِثُ عَصَبَتُهُ مَعَ حَيَاتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>