للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا التَّحَيُّزُ إلَى فِئَةٍ، فَهُوَ أَنْ يَصِيرَ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِيَكُونَ مَعَهُمْ، فَيَقْوَى بِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَسَوَاءٌ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ قَرُبَتْ.

قَالَ الْقَاضِي: لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ. وَالْفِئَةُ بِالْحِجَازِ، جَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا وَنَحْوَهُ ذَكَرَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ» وَقَالَ عُمَرُ أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُيُوشُهُ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانِ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.

وَقَالَ عُمَرُ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عُبَيْدَةَ لَوْ كَانَ تَحَيَّزَ إلَيَّ لَكُنْت لَهُ فِئَةً وَإِذَا خَشِيَ الْأَسْرَ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ حَتَّى يُقْتَلَ، وَلَا يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلْأَسْرِ، لِأَنَّهُ يَفُوزُ بِثَوَابِ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَيَسْلَمُ مِنْ تَحَكُّمِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْفِتْنَةِ.

وَإِنْ اسْتَأْسَرَ جَازَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَشَرَةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، فَنَفَرَتْ إلَيْهِمْ هُذَيْلٌ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ، لَجَئُوا إلَى فَدَدٍ فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا فَأَعْطُونَا مَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا فَقَالَ عَاصِمٌ:. أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ مَعَهُ، وَنَزَلَ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَعَاصِمٌ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ، وَخُبَيْبٌ وَزَيْدٌ أَخَذَا بِالرُّخْصَةِ، وَكُلُّهُمْ مَحْمُودٌ غَيْرُ مَذْمُومٍ وَلَا مَلُومٍ.

[فَصْلٌ كَانَ الْعَدُوّ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفَرُ]

(٧٦٢٣) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ، فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفَرُ، فَالْأَوْلَى لَهُمْ الثَّبَاتُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ

الْمَصْلَحَةِ

، وَإِنْ انْصَرَفُوا جَازَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ وَالْحُكْمُ عُلِّقَ عَلَى مَظِنَّتِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عَدَدِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَزِمَهُمْ الثَّبَاتُ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ الْهَلَاكُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>