كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا.
فَإِذَا حَلَفَ، سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ. بِتَعَدِّيهِ، وَوَجَبَ لَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْآخَرِ، إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِتَعَدٍّ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِم ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ]
(٣٨٣٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةِ، دَرَاهِمَ، ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: زُيُوفًا أَوْ صِغَارًا أَوْ إلَى شَهْرٍ. كَانَتْ عَشَرَةً جِيَادًا وَافِيَةً حَالَّةً) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ، وَأَطْلَقَ، اقْتَضَى إقْرَارُهُ الدَّرَاهِمَ الْوَافِيَةَ، وَهِيَ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ، كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ جِيَادًا، حَالَّةً، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَأَطْلَقَ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ كَذَلِكَ.
فَإِذَا سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، أَوْ أَخَذَ فِي كَلَامٍ غَيْرِ مَا كَانَ فِيهِ، اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. فَإِنْ عَادَ، فَقَالَ: زُيُوفًا. يَعْنِي رَدِيئَةً. أَوْ صِغَارًا. وَهِيَ الدَّرَاهِمُ النَّاقِصَةُ، مِثْلُ دَرَاهِمَ طَبَرِيَّةَ، كَانَ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةَ دَوَانِقَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا دِرْهَمٍ. أَوْ إلَى شَهْرٍ. يَعْنِي مُؤَجَّلَةً، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَيَرْفَعُهُ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهَا دَيْنًا، أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ غَصْبًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ فِي عَيْنٍ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي سَلَامَتَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ عَبْدٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ مَعِيبًا. وَلَنَا، أَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَقْتَضِي الْوَازِنَةَ الْجِيَادَ، فَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، كَالدَّيْنِ، وَيُفَارِقُ الْعَبْدَ؛ فَإِنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا إنْ وَصَفَهَا بِذَلِكَ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ، أَوْ سَكَتَ لِلتَّنَفُّسِ، أَوْ اعْتَرَضَتْهُ سَعْلَةٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ وَصَفَهَا بِذَلِكَ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، قُبِلَ مِنْهُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ التَّأْجِيلُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيّ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ قَضَيْته إيَّاهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالنَّاقِصَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ نَاقِصَةٌ. قُبِلَ قَوْلُهُ.
وَإِنْ قَالَ: صِغَارًا. وَلِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَرَاهِمُ صِغَارٌ لَزِمَهُ وَازِنَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: دُرَيْهِمٌ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَازِنٌ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ بِكَلَامِ مُتَّصِلٍ، فَقُبِلَ مِنْهُ، كَاسْتِثْنَاءِ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْوَازِنَةِ وَالنَّاقِصَةِ، وَالزُّيُوفِ وَالْجَيِّدَةِ، وَكَوْنُهَا عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ، فَإِذَا وَصَفَهَا بِذَلِكَ، تَقَيَّدَتْ بِهِ، كَمَا لَوْ وَصَفَ الثَّمَنَ بِهِ، فَقَالَ: بِعْتُك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، مُؤَجَّلَةٍ نَاقِصَةٍ. وَثُبُوتُهَا عَلَى غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute