وَتَقِفُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
فَأَمَّا إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ وَصِيَّةِ زَيْدٍ، وَوَصَّى لِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَيَحْلِفُ عَمْرٌو مَعَ شَاهِدِهِ، وَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لِعَمْرٍو، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَنَّ فِي الْأُولَى، تَقَابَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَقَدَّمْنَا أَقْوَاهُمَا، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَتَقَابَلَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمَالُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[مَسْأَلَة فِي يَدِهِ دَارٌ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ]
(٨٥٣٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ، فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا حَاضِرًا، جُعِلَ الْخَصْمَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، وَكَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ، وَكَانَ الْغَائِبُ عَلَى خُصُومَتِهِ مَتَى حَضَرَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ: لَيْسَتْ لِي، إنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ. وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا حَاضِرًا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ، صَارَ الْخَصْمَ فِيهَا، وَكَانَ صَاحِبَ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِهِ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ إقْرَارٌ صَحِيحٌ، فَيَصِيرُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: أَحْلِفُوا لِي الْمُقِرَّ الَّذِي كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لِي. فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ، لَزِمَهُ الْغُرْمُ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْعَيْنُ لِزَيْدٍ. ثُمَّ قَالَ: هِيَ لِعَمْرٍو. فَإِنَّهَا تُدْفَعُ إلَى زَيْدٍ، وَيَدْفَعُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو. وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ مَعَ الْإِقْرَارِ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ، فَإِنْ رَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ الْإِقْرَارَ، وَقَالَ: لَيْسَتْ لِي، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُدَّعِي. حُكِمَ لَهُ بِهَا. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: هِيَ لِلْمُدَّعِي، وَلَكِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِي. فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تُدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهَا، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا، وَلِأَنَّ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ لَوْ ادَّعَاهَا، ثُمَّ نَكَلَ، قَضَيْنَا بِهَا، لِلْمُدَّعِي فَمَعَ عَدَمِ ادِّعَائِهِ لَهَا أَوْلَى وَالثَّانِي، لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مُسْتَحِقٌّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَدَ لَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ، وَصَاحِبُ الْيَدِ مُعْتَرِفٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ، فَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ فَيَحْفَظُهَا لِصَاحِبِهَا. وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلِيلِهِ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ، أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَهُ، وَتُسَلَّمُ إلَيْهِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ؛ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هِيَ لِثَالِثٍ. انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا مَنْ الْيَدُ لَهُ حُكْمًا. وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا بِجَوَابٍ. فَإِنْ أَقْرَرْت بِهَا لِمَعْرُوفٍ، وَإِلَّا جَعَلْنَاك نَاكِلًا وَقَضَيْنَا عَلَيْك. فَإِنْ أَصَرَّ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ مُعَيَّنٍ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، صَارَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute