(٢١٠٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، فَعَلَيْهِ صَوْمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَيَّامِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَفِي قَضَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفَاقَ فِيهِ وَإِمْسَاكِهِ رِوَايَتَانِ. وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيد. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى يُزِيلُ الْعَقْلَ، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الصَّوْمِ، كَالْإِغْمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ جُنَّ جَمِيعَ الشَّهْرِ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفَاقَ فِي أَثْنَائِهِ قَضَى، مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ لَمْ يَفْسُدْ، فَإِذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ، وَجَبَ الْقَضَاءُ، كَالْإِغْمَاءِ. وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنَى يُزِيلُ التَّكْلِيفَ، فَلَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ فِي زَمَانِهِ، كَالصِّغَرِ وَالْكُفْرِ. وَيَخُصّ أَبَا حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مَعْنَى، لَوْ وُجِدَ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ أَسْقَطَ الْقَضَاءَ، فَإِذَا وُجِدَ فِي بَعْضِهِ أَسْقَطَهُ، كَالصِّغَرِ وَالْكُفْرِ، وَيُفَارِقُ الْإِغْمَاءَ فِي ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةُ رَأَى هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَان وَحْدَهُ]
(٢١٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا رَأَى هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَان وَحْدَهُ، صَامَ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَتَى رَأَى الْهِلَالَ وَاحِدٌ لَزِمَهُ الصِّيَامُ، عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أَوْ رُدَّتْ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَصُومُ. وَقَدْ رَوَى حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَصُومُ إلَّا فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمٌ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ شَعْبَان، فَأَشْبَهَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ. وَلَنَا أَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَان فَلَزِمَهُ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ. وَكَوْنُهُ مَحْكُومًا بِهِ مِنْ شَعْبَان ظَاهِرٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَان، فَلَزِمَهُ صِيَامُهُ كَالْعَدْلِ. (٢١٠٧) فَصْلٌ: فَإِنْ أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِجِمَاعِ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ، فَلَا تَجِبُ بِفِعْلِ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، كَالْحَدِّ. وَلَنَا أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان بِجِمَاعِ، فَوَجَبَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عُقُوبَة، ثُمَّ قِيَاسهمْ يَنْتَقِضُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، مَعَ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute